هل يشكّل صعود اليورو تهديداً لهيمنة الدولار؟
هذا التوجّه يقوده حراك أوروبي متنامٍ يسعى لدفع اليورو نحو لعب دور عالمي أكبر، لكن الطموحات تصطدم بمجموعة من التحديات المتجذّرة، أبرزها الانقسامات الداخلية داخل منطقة اليورو، وتعقيد مسار التكامل الاقتصادي بين دول الاتحاد.
ويرى الخبراء أن تعزيز تكامل أسواق رأس المال داخل الاتحاد الأوروبي يُعد أحد المفاتيح الأساسية لتحقيق هذا التحوّل. إذ من شأن سوق مالية موحدة وعميقة أن تُشجع المستثمرين على الاحتفاظ بالأصول المقوّمة باليورو، كما أن إصدار ديون حكومية مشتركة قد يوفّر بديلاً أوروبياً حقيقياً من سندات الخزانة الأميركية كملاذ آمن.
غير أن مشاريع التكامل المالي الأوروبية، رغم أهميتها، لا تزال تواجه عراقيل مزمنة، بحيث أخفقت أكثر من 100 مبادرة منذ عام 2015، بحسب ما أشارت إليه كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي.
التفاؤل الأوروبي، رغم قوته، لم يترجم حتى الآن إلى تغيير كبير على أرض الواقع. فقد أظهر تقرير للبنك المركزي الأوروبي أن نسبة استخدام اليورو في المعاملات الدولية بقيت عند 19% في 2024، بينما تمثل حصة اليورو من احتياطيات النقد الأجنبي نحو 20% فقط، أي نحو ثلث ما يحوزه الدولار الأميركي.
لكن الزعزعة التي يشهدها الاقتصاد الأميركي، نتيجة السياسات الحمائية لترمب، دفعت بعض المستثمرين إلى إعادة تقييم مواقفهم. فقد بدأ يُنظر إلى السندات الأميركية، التي كانت تُعتبر سابقًا الملاذ الآمن الأوّل، على أنها أقل استقراراً، وسط ما يُوصف بأنه 'اضطراب في سوق الخزانة'.
على الجانب الأوروبي، شكّلت السياسة المالية الألمانية الجديدة الأكثر مرونة نقطة تحول بارزة، عزّزت الآمال بعودة النمو ورفعت من جاذبية اليورو. كما أن تغير مواقف المستثمرين من دول تقليدية داعمة للدولار، مثل ألمانيا وسويسرا والنمسا، يشير إلى تحوّل حقيقي في المزاج العام.
في هذا السياق، دعت لاغارد إلى استغلال اللحظة، محذّرة من تفويت فرصة صعود اليورو. وأكدت أن البنك المركزي الأوروبي يعمل على تطوير 'يورو رقمي'، في حين يقع على عاتق القادة السياسيين في الاتحاد الأوروبي اتخاذ خطوات أكثر جرأة.
أبرز العقبات أمام تحوّل اليورو إلى عملة دولية حقيقية يتمثل في ضعف السيولة في أسواق السندات المقومة باليورو، وتجزئة السوق المالية الأوروبية. إذ لا تمثل أسواق السندات مجتمعةً سوى ثلث حجم السوق الأميركية، كما أن سوق رأس المال الاستثمارية الأوروبية لاتزال متأخرة.
الدعوات تتزايد نحو إنشاء سوق موحدة لرأس المال، تمنح الشركات الأوروبية مصادر تمويل أوسع، وتُشجع على الاستثمارات عبر الحدود. إلا أن 'المصالح الوطنية' تبقى عائقاً أساسياً، خصوصاً من جانب دول صغيرة مثل أيرلندا واللوكسمبورغ التي تسعى لحماية مراكزها المالية، إضافة إلى تأثير جماعات الضغط.
واحدة من أكثر الملفات جدلاً في هذا السياق هي مسألة التمويل المشترك للسندات الحكومية. الدول الغنية مثل ألمانيا لا تزال تعارض بشدة فكرة تمويل ديون دول مثقلة مثل إيطاليا، مما يؤدي إلى تقييد إمكانات بناء سوق سندات موحدة فعالة.
وقد أشارت لاغارد إلى أن السندات ذات التصنيف الائتماني المرتفع AA)فما فوق) تمثل أقل من 50% من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي، مقارنة بأكثر من 100% في الولايات المتحدة، وهو ما يضعف الثقة الدولية باليورو كعملة استقرار.
من هذا المنطلق، دعت لاغارد إلى إعادة فتح النقاش حول تمويل السلع العامة الأوروبية المشتركة، مثل الدفاع، مشيرة إلى أن تجربة 'صندوق التعافي الأوروبي' عام 2020 يمكن أن تشكل سابقة ناجحة. كما تأمل الأوساط الأوروبية أن توفر خطة إعادة تسليح أوروبا، التي تهدف لتعبئة 800 مليار يورو، دفعة جديدة نحو إصدار مشترك للسندات، ما يعزز من سيولة السوق الأوروبية.
رغم كل هذه المبادرات، لا تزال الشكوك قائمة بشأن جدية التنفيذ. فالتجربة الأوروبية أثبتت في كثير من الأحيان ميلاً إلى الوعد دون الإنجاز، ولا تزال قطاعات داخل ألمانيا وغيرها متحفظة عن أي خطوات تؤدي إلى تقاسم الديون أو المخاطر المالية على المستوى القاري.
في نهاية المطاف، يبقى مستقبل اليورو كعملة دولية مرتبطاً بقدرة أوروبا على اتخاذ قرارات سياسية جريئة وتجاوز حساباتها الضيقة. ومع تنامي الحاجة العالمية إلى بدائل موثوقة من الدولار الأميركي، فإن الكرة باتت في الملعب الأوروبي: فإما أن تنتهز اللحظة، وإما أن تخسر فرصة نادرة لتغيير قواعد اللعبة المالية العالمية.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
خطة النواب: إيرادات السياحة وتحويلات المصريين بالخارج عوضت خسائر قناة السويس
أكد النائب ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن استقرار الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية جاء نتيجة مجموعة من العوامل الاقتصادية المتكاملة، وليس نتيجة عامل واحد فقط. وأوضح عمر، في تصريحات خاصة لـ 'صدى البلد'، أن الجنيه يخضع بشكل مباشر لمبدأ العرض والطلب، مشيرًا إلى أن زيادة التدفقات من قطاع السياحة ساهمت في رفع حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي، إلى جانب ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج، وهو ما دعم قيمة الجنيه في الفترة الأخيرة. وأضاف وكيل لجنة الخطة والموازنة أن هذه الموارد ساعدت الدولة في سد جزء من العجز الناتج عن تراجع إيرادات قناة السويس، مؤكدًا أن تنويع مصادر النقد الأجنبي يمثل ركيزة أساسية في استقرار العملة الوطنية ودعم الاقتصاد المصري. واستقر سعر الدولار اليوم، أمام الجنيه المصري بكل البنوك العاملة في مصر، وسجل متوسط سعر الصرف فى البنك المركزى المصرى عند 48.23 جنيه للشراء، 48.36 جنيه للبيع، وفي البنك الأهلي المصري عند سعر 48.28 جنيه للشراء، 48.38 جنيه للبيع. وكشف البنك المركزي المصري عن ارتفاع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بقيمة 24 مليون دولار ليصل إلى 40.849 مليار دولار بنهاية أكتوبر الماضى، مقابل 40.82 مليار دولار بنهاية سبتمبر السابق عليه.


صدى البلد
منذ ساعة واحدة
- صدى البلد
قمة حاسمة في واشنطن.. ترامب يدعو زعماء أوروبيين وزيلينسكي لاجتماع بشأن أوكرانيا
تستعد العاصمة الأمريكية واشنطن لاستضافة اجتماع رفيع المستوى يوم الاثنين، يجمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى جانب عدد من قادة الدول الأوروبية. وتأتي هذه القمة في أعقاب لقاء القمة الذي جمع ترامب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا، والذي لم يسفر عن أي اتفاق رسمي. بحسب صحيفة نيويورك تايمز، وجه ترامب دعوة لزعماء أوروبيين بارزين للحضور إلى البيت الأبيض، في خطوة فسرت على أنها محاولة لإشراك الحلفاء الأوروبيين في جهود التوصل إلى اتفاق سلام شامل في أوكرانيا، بدلا من الاكتفاء بوقف إطلاق نار مؤقت. ورغم فشل التوصل إلى اتفاق في قمة ألاسكا، أكد ترامب عبر منشور له على منصة "تروث سوشيال" أن اللقاء مع بوتين "سار بشكل جيد"، مشيرا إلى أن الجميع بات متفقا على ضرورة التوجه نحو تسوية شاملة لإنهاء الحرب. وأضاف أن زيلينسكي سيصل إلى البيت الأبيض الاثنين، مؤكدًا إمكانية تحديد موعد لاحق للقاء يجمعه بالرئيس الروسي. في المقابل، أعربت مصادر أوروبية عن قلقها من تغير مواقف ترامب تجاه أوكرانيا بعد كل لقاء مع بوتين. وأكدت الرئاسة الفرنسية أن زعماء "التحالف الأوروبي" سيعقدون مكالمة فيديو تنسيقية قبل زيارة زيلينسكي، بمشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر. وأعلن زيلينسكي بدوره استعداده للمشاركة في اجتماع ثلاثي بين أوكرانيا والولايات المتحدة وروسيا، مؤكدًا عبر حسابه على منصة "إكس" أن "القضايا الرئيسية يمكن مناقشتها على مستوى القيادة"، مضيفا أن المشاركة الأوروبية ضرورية لضمان أمن أوكرانيا. وأشارت تقارير إلى أن تغيير ترامب لموقفه تجاه "وقف إطلاق النار أولا" منح روسيا فرصة أفضل للتفاوض من موقع قوة، خاصة في ظل تقدمها على الأرض، ما أثار تحفظات أوروبية واضحة. تأتي هذه التحركات وسط مؤشرات إيجابية عن نية واشنطن تعزيز التزامها بضمانات أمنية لكييف، في وقت حرج من الحرب التي دخلت عامها الرابع، وسط جهود دبلوماسية مكثفة لإنهاء الصراع.


IM Lebanon
منذ ساعة واحدة
- IM Lebanon
ميلانيا ترامب بعثت رسالة شخصية إلى بوتين
ذكر مسؤولان في البيت الأبيض أن ميلانيا ترامب، زوجة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أثارت قضية الأطفال في أوكرانيا وروسيا في رسالة شخصية وجهتها إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الجمعة. وقال المسؤولان لرويترز إن الرئيس ترامب سلّم الرسالة بنفسه إلى بوتين خلال محادثات القمة بينهما في ولاية ألاسكا الأميركية. ولم ترافق ميلانيا، المولودة في سلوفينيا، زوجها في رحلته إلى ألاسكا. ولم يكشف المسؤولان عن مضمون الرسالة، باستثناء أنها تناولت عمليات اختطاف الأطفال الناتجة عن الحرب في أوكرانيا. ولم يسبق أن أُشير إلى هذه الرسالة في أي تقرير سابق. وتعتبر قضية الأطفال الأوكرانيين، الذين تقول كييف إن روسيا اختطفتهم، من أبرز الملفات الإنسانية في الحرب. وتصف أوكرانيا نقل عشرات الآلاف من الأطفال إلى روسيا أو إلى مناطق تسيطر عليها موسكو من دون موافقة ذويهم بأنه جريمة حرب تندرج ضمن تعريف معاهدة الأمم المتحدة للإبادة الجماعية. وقال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها إن الرئيس فولوديمير زيلينسكي أعرب عن امتنانه للسيدة الأميركية الأولى خلال اتصال مع ترامب اليوم السبت، مضيفاً عبر منصة 'إكس': 'هذا عمل إنساني حقيقي'. وفي المقابل، قالت موسكو في السابق إن نقل الأطفال يهدف إلى 'حمايتهم من مناطق القتال'. وذكر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن روسيا تسببت في معاناة ملايين الأطفال الأوكرانيين وانتهكت حقوقهم منذ بدء غزوها الشامل لأوكرانيا عام 2022. وعقد ترامب وبوتين اجتماعاً استمر نحو ثلاث ساعات في قاعدة عسكرية أميركية في أنكوريدج، من دون التوصل إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار في أوكرانيا.