
إصلاح الدولة البريطانية مرهون بضغوط أسواق السندات
جانان غانيش
قد يعد هذا انتقاصاً من وطنيتي، لكنني أدعو المستثمرين الدوليين في السندات إلى التمعن بجدية في الحقائق الواضحة، التي تشهدها بريطانيا اليوم.
حكومة حزب العمال تتمتع بأغلبية كاسحة في البرلمان، ولا تحتاج إلى الدعوة لانتخابات عامة حتى عام 2029، والمعارضة منقسمة، وربما بشكل تام ونهائي، وعندما خفضت الامتيازات الممنوحة للمتقاعدين لتوفير بعض النقد للمملكة المثقلة بالديون كان الغضب العام، رغم شدته، غير استثنائي. رغم ذلك استسلم حزب العمال للكتلة التصويتية للمتقاعدين، ثم فعل الحزب الشيء نفسه مع مطالب زيادة أجور موظفي القطاع العام صيف العام الماضي.
وكما قد يفعل الشيء نفسه قريباً مع بعض المستفيدين من إعانات الأطفال، ويطرح ذلك تساؤلاً جوهرياً: إذا كانت هذه الحكومة بالذات لا تستطيع مقاومة بعض الضغوط الاجتماعية، فهل ستتمكن أي حكومة بريطانية من ذلك مستقبلاً؟
والآن، وبعد أن وصلنا إلى الربع الأول تقريباً من القرن الجاري، يمكننا استخلاص بعض القواعد الأساسية مما تكشف حتى الآن.
أولاً: لا تبدأ غزواً برياً لدولة أخرى، فقد أدت الحروب في العراق وأفغانستان وأوكرانيا في غرق الغازي المفرط في الثقة.
ثانياً: لا تتوقع أن يرضي النمو الاقتصادي الناخبين، فقد تفوقت الولايات المتحدة على أوروبا من حيث الدخل، لكن لديها مشكلة شعبوية لا تقل سوءاً.
ثالثاً: لا تحاول السيطرة على الإنفاق العام، لأنه أمر مستحيل سياسياً إلا في أزمة وطنية كبرى، فقد رفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضرائب الوقود في 2018، وزاد سن التقاعد في 2023، والنتيجة أسوأ احتجاجات شهدتها فرنسا منذ نصف قرن.
وقبل ذلك بجيل خسر المستشار الألماني جيرهارد شرودر منصبه بعد إجراء تخفيضات متواضعة في نظام الرعاية الاجتماعية، لتفوز أنجيلا ميركل بثلاث انتخابات متتالية، بعد تجنبها تلك الإصلاحات. أما رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي فقد واجهت الناخبين البريطانيين بتكلفة رعاية المسنين في 2017، ولم تتعافَ بعدها أبداً.
ثم هناك الولايات المتحدة، التي كان بإمكانها في السابق، على الأقل، الاعتماد على الديمقراطيين لإظهار بعض الاهتمام الرمزي بالصرامة المالية، واليوم نشهد توافقاً ضمنياً بين الحزبين الرئيسيين على تجاهل أزمة الدين العام، الذي أسموه «إجماع واشنطن الجديد»، حتى على حساب سيادة الدولار. وبعد أن فشل إيلون ماسك في تغيير الحكومة الفيدرالية يجب أن يخفض سقف طموحه إلى أشياء مثل تحويل المريخ إلى كوكب صالح للحياة.
بالتالي الدين أزمة غربية، ومشكلة للعالم النامي أيضاً. لماذا إذاً هناك خوف خاص على بريطانيا؟ أحد الأسباب هو شخصية رئيس الوزراء السير كير ستارمر، فقد انتظر حتى تخلص الناخبون من جيريمي كوربين، قبل أن يعلن عدم أهلية زعيم الحزب الاشتراكي السابق للمنصب، كما التزم الصمت بشأن قضية تعريف ما المرأة حتى صدور حكم قضائي في الموضوع، ليعلن موقفه حينها عبر متحدث رسمي وليس بنفسه.
بالتالي لن تضطر مؤسسة جون إف كينيدي أبداً لتحديث كتاب «ملامح في الشجاعة»، الذي ألفه الرئيس الأمريكي الراحل لإضافة اسم كير ستارمر. فالتحكم في الإنفاق العام يتطلب غالباً قدرة استثنائية على تحمل الكراهية، وهي سمة قد لا يمتلكها ستارمر، كغيره من البشر العاديين، فأغلب الشخصيات العامة تعاني حاجة نفسية عميقة لنيل القبول الشعبي، وليس من قبيل المصادفة أن ديفيد كاميرون، الذي نجح في خفض الإنفاق، وإن كان بشكل مبالغ فيه، هو السياسي الوحيد من الطراز الأول في زمني، الذي لم يكن لديه أي شعور ظاهر بعدم الأمان، فقد امتلك شخصية متماسكة، مكنته من تجاوز الاحتجاجات العامة دون أن تترك أثراً يذكر عليه.
لديّ قناعة شخصية، مفادها أن الساسة ذوي الكاريزما المتدنية هم أكثر من يشكلون عبئاً مالياً على الدولة، فهؤلاء الساسة عاجزون عن الفوز بتعاطف الجمهور بشخصياتهم المجردة، فيلجأون إلى إطلاق مبادرات باهظة التكلفة كمحاولة يائسة لإثبات «حسن نواياهم».
ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما فعلته تيريزا ماي عندما تحولت إلى مادة للسخرية على المستوى الوطني، حيث سارعت إلى الالتزام بأهداف طموحة للحياد الكربوني كجزء من جولة وداعية، يمكن تلخيص رسالتها بعبارة «أرجوكم أحبوني»، ويمكننا أيضاً استحضار نموذج غوردون براون، خلال فترة توليه وزارة الخزانة البريطانية.
واليوم، يبدو أن رئيس الوزراء الحالي كير ستارمر، ووزيرة الخزانة راشيل ريفز يمثلان المؤشرات المقلقة نفسها، ومن المعروف أن أي حكومة تكون في ذروة قوتها خلال الأشهر الأولى من ولايتها، لذا فإن عجز هذا الثنائي عن الصمود أمام الضغوط في هذه المرحلة المبكرة ينذر بمستقبل قاتم، خاصة مع اقترابنا من منتصف الدورة الانتخابية في عام 2027، وإذا كان هناك من يعتقد أن حكومة العمال ستمضي قدماً في إصلاحات الرعاية الاجتماعية الصعبة، عندما يبدأ أعضاء البرلمان من الحزب نفسه في ممارسة ما يمكن وصفه بالابتزاز الأخلاقي، فهذا أشبه بالإيمان بوعود بائع السندات الوهمية.
ولا يبدو المشهد أكثر إشراقاً خارج حزب العمال؛ فالحزب الصاعد «الإصلاح البريطاني»، بقيادة نايجل فاراج، يتبنى في كثير من جوانبه توجهاً أكثر ميلاً للتدخل الحكومي في الاقتصاد. أما المحافظون فلطالما لجأوا إلى وعود مالية لكسب أصوات المتقاعدين، وفي الكواليس يروج جناحهم الفكري لرؤية تدخلية في القطاع الصناعي، تفتقر إلى حسابات دقيقة للتكلفة، مستوحاة من بعض أقل أعضاء فريق ماي السابق فهماً للأرقام.
ورغم أن هذا الطرح قد يبدو غريباً بالنسبة لدولة أثارت مخاوف أسواق السندات العالمية مرتين، خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أن المستثمرين الدوليين يبدون قلقاً أقل مما ينبغي تجاه المسار السياسي البريطاني، وانعكاساته الحتمية على الوضع المالي.
ستستمر بريطانيا في الاعتماد على سمعة مؤسساتها العريقة، وهي سمعة تثير استغراب العديد ممن اطلعوا على واقع هذه المؤسسات من الداخل. وإذا انهار الوهم الاقتصادي الحالي وتفجرت أزمة ديون فقد تُجبر بريطانيا على إعادة تقييم جذرية لدور الدولة، فالتغيير الصعب في الديمقراطيات الغنية لا يحدث إلا تحت ضغط الأزمات، كما شهدنا قبل عصر تاتشر، وبعد أزمة 2010 في جنوب أوروبا.
لست أتمناها، لكني أراها قادمة. كثير من الدول الغربية لم تعد تملك ملاءة مالية، تتيح لها تحمّل صدمة جديدة. تخيل جائحة تكلف نصف ما كلفه «كوفيد» فقط – بعض الدول لم تعد تملك مجالاً لرفع الضرائب دون الإضرار بالحوافز الاقتصادية.
ففي بريطانيا ترتفع البطالة مع دخول زيادة التأمين الوطني حيز التنفيذ. وفي ظل أسعار الفائدة المرتفعة باتت الحكومات تنفق على خدمة الدين أكثر مما تنفق على التعليم أو الدفاع، أما مراجعة رايتشل ريفز للإنفاق أخيراً فقد عكست على ما يبدو نهاية نمط حكومي بأكمله: استخدام مصطلح «استثمار» للتغطية على الإنفاق، والتركيز على دعم المناطق الإقليمية بدلاً من لندن والمراكز الإنتاجية المرتبطة بها. إنه نموذج حكومي انتهت صلاحيته، لكن ما عجز عنه ماسك، قد ينجزه مستثمرو السندات.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 2 ساعات
- صحيفة الخليج
بريطانيا تجري محادثات مع كندا لتفادي الحرب التجارية
قال رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر إن بلاده تتجه لإعادة المناقشات التجارية مع كندا، وجاءت تصريحاته أثناء توجهه لمقابلة نظيره الكندي، مارك كارني. ويعمل الوزير البريطاني جاهداً لتعزيز العلاقات التجارية في جميع أنحاء العالم لتحصين اقتصاد بريطانيا من تداعيات الحرب التجارية التي أشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وفي حين توصلت الدولتان إلى اتفاق بشأن استمرارية التجارة عقب خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي إلا أن المحادثات بشأن اتفاق مخصص لتغطية التجارة الثنائية بقيمة 27.5 مليار جنيه إسترليني (37 مليار دولار) سنوياً توقفت العام الماضي بعد نزاع بشأن لحوم البقر، عندما لم يكن ستارمر ولا كارني في منصبيهما بعد. وقال مكتب ستارمر إن الوزير سيغتنم فرصة قمة مجموعة السبع ليؤكد أنه في ظل اقتصاد عالمي متغير يجب على المملكة المتحدة أن تحتفظ بمكانتها كدولة تجارية حرة ومنفتحة من خلال تعزيز التحالفات القائمة بجانب تقليل الحواجز التجارية مع الدول الأخرى. وكانت كندا في المركز الـ 13 كأكبر وجهة لصادرات المملكة المتحدة في عام 2024 حيث استوردت سلعاً وخدمات بريطانية بقيمة 16.9 مليار جنيه إسترليني، وفقاً لإحصاءات الدولة المصدرة والـ17 كأكبر مصدر للواردات إلى بريطانيا حيث عبرت سلع وخدمات بقيمة 10.6 مليار جنيه إسترليني المحيط الأطلسي. ووفقاً لإحصاءات كندا، تُعد المملكة المتحدة ثالث أكبر شريك تجاري ثنائي للبلاد.


صحيفة الخليج
منذ 3 ساعات
- صحيفة الخليج
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تعرض إجراء محادثات مع إيران حول «النووي»
قال وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول: إن ألمانيا وفرنسا وبريطانيا مستعدة لإجراء محادثات على الفور مع إيران بشأن برنامجها النووي في محاولة لتهدئة الوضع في الشرق الأوسط.وأضاف فاديفول، الذي يزور الشرق الأوسط حاليا، أنه يحاول المساهمة في تهدئة الصراع بين إسرائيل وإيران، وأشار إلى أن طهران لم تغتنم الفرصة في السابق للدخول في محادثات بناءة. وقال لهيئة البث الألمانية (إيه.آر.دي) في وقت متأخر من السبت: «آمل أن يكون ذلك لا يزال ممكنا.. ألمانيا، إلى جانب فرنسا وبريطانيا على استعداد. إننا نعرض على إيران إجراء مفاوضات على الفور حول البرنامج النووي، وآمل أن يتم قبول (العرض)».


الإمارات اليوم
منذ 10 ساعات
- الإمارات اليوم
أعضاء في «الحزب الاشتراكي الديمقراطي» الألماني يدعون إلى عودة الوفاق مع روسيا
في منتصف أبريل الماضي، وقبل ثلاثة أسابيع من انقضاء ولاية المستشار الألماني السابق، أولاف شولتس، سافر وفد ألماني إلى باكو في أذربيجان لعقد سلسلة من الاجتماعات السرية مع مسؤولين روس، وخلال وجودهم في مطعم «زافيرانو» بفندق «فور سيزونز» في المدينة، التقى أعضاء الوفد مسؤول حقوق الإنسان والمجتمع المدني والمبعوث الثقافي الدولي للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والتقى أيضاً مع رئيس الوزراء السابق، الذي يترأس شركة «غازبروم»، فيكتور زوبكوف، ويدير تكتل الغاز المملوك للدولة. وكان من بين الألمان الحاضرين، النائب اليساري البارز من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رالف شتيغنر، وهو الحزب الذي ينتمي إليه شولتس، وجاء بصفته عضواً في لجنة الاستخبارات في «البوندستاغ»، وأيضاً بصفته ملماً ببعض أكثر أسرار الدولة حساسية في بلاده. وعلى مدى 20 عاماً، مثّلت هذه اللقاءات المعروفة باسم «حوارات بطرسبورغ» رمزاً للعلاقة المميزة بين برلين وموسكو، وفرصة للمتعاطفين مع روسيا في النخبة الألمانية لتوسيع قاعدة أعمالهم ومعرفتهم بالكرملين. وكان من المفترض أن تبقى هذه العلاقات الحميمة، طيّ النسيان بعد حرب روسيا الشاملة على أوكرانيا عام 2022، ومع ذلك، يبدو أن التخلص من العادات القديمة أمرٌ صعب للغاية. هذا الأسبوع، برز شتيغنر من جديد كأحد الموقعين على بيان يدعو إلى تراجع شبه كامل عن «نقطة التحول» في السياسة الخارجية والأمنية الألمانية، خصوصاً تجاه موسكو. وتدعو الوثيقة، التي أيدها أكثر من 100 سياسي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إلى إجراء مفاوضات مع الحكومة الروسية بشأن إرساء «نظام سلام وأمن جديد لأوروبا» و«العودة التدريجية إلى الوفاق والتعاون» مع روسيا. وبدلاً من إنفاق 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي على إعادة التسلح، كما تقول الوثيقة، ينبغي لألمانيا السعي إلى نزع السلاح، ونبذ التصعيد، وتخصيص مئات المليارات الإضافية من الاقتراض العام لمكافحة الفقر وتغير المناخ. وتضيف الوثيقة أن «هذا ليس وقت (تقريع) الكرملين بشكل أحادي، بل هو وقت سياسة سلام تهدف إلى تحقيق الأمن المشترك، بدءاً من رفض استضافة أي صواريخ أميركية متوسطة المدى على الأراضي الألمانية». وإلى جانب شتيغنر، يضمّ البيان رولف موتزينيش، الذي كان حتى أسابيع قليلة ماضية، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي في «البوندستاغ» وإحدى أكثر الشخصيات نفوذاً في إدارة شولتس، والزعيم الوطني المشترك للحزب حتى عام 2021، نوربرت فالتر بورجانز، والنائبة البرلمانية الرائدة في مجال سياسة الطاقة، نينا شير. ويُمثّل البيان هجوماً مباشراً ليس فقط على المستشار من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فريدريش ميرتس، بل أيضاً على شركائه في الائتلاف الحاكم من الحزب الاشتراكي الديمقراطي. ويستهدف البيان بشكل رئيس وزير المالية ونائب المستشار، لارس كلينغبيل، ووزير الدفاع، بوريس بيستوريوس، الذي زار كييف، يوم الخميس الماضي، لمناقشة تعزيز المساعدات العسكرية الألمانية لأوكرانيا. وأسعد هذا الإعلان، حزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني المتشدد، الذي يتوق إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية الودية مع روسيا. وأشار الزعيم المشترك لحزب البديل من أجل ألمانيا، تينو شروبالا، إلى أن هذا الإعلان يُشكل أساساً لائتلاف محتمل بين حزبي البديل من أجل ألمانيا والحزب الاشتراكي الديمقراطي. وقال شروبالا، لصحيفة «بيلد»: «أنا سعيد بانضمام بعض سياسيي الحزب الاشتراكي الديمقراطي إلينا في مسيرة السلام». ومع ذلك، أثار هذا الإعلان استياء أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذين يعتقدون أن محاولة بوتين، تدمير بلد بأكمله على حدود الاتحاد الأوروبي، قد صدمت حزبهم أخيراً، وأخرجته من معاداته العسكرية القديمة وعاطفيته تجاه روسيا. وأعرب أحد مسؤولي الحزب الاشتراكي الديمقراطي، عن قلقه من أن الحزب قد يعود إلى صراعات الثمانينات الداخلية الشرسة، عندما أغضب المستشار الاشتراكي الديمقراطي، هيلموت شميدت، الكثيرين في صفوفه بموافقته على استضافة صواريخ «بيرشينغ 2» الباليستية الأميركية المسلحة نووياً، كجزء من مسعى لإجبار موسكو على التفاوض بشأن الحد من التسلح. وقال مصدر الحزب الاشتراكي الديمقراطي: «لايزال مقدمو البيان يعتقدون، في العام الثالث من حرب بوتين الشاملة على أوكرانيا، أن حاكم الكرملين يمكن استرضاؤه من خلال تقديم تنازلات». وأضاف: «هذا الوهم القاتل يُقوّض الحكومة المُشكّلة حديثاً، والتي تواجه تحديات هائلة». ومع ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كان البيان يمثل أكثر من مجرد خاتمة لفصيل مسالم في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، يجد نفسه الآن مهمّشاً من الائتلاف ويكافح من أجل الحفاظ على مكانته. وينظر بعض مؤيدي كلينغبيل، إلى المبادرة على أنها عمل انتقامي للقسوة التي استولى بها على الحزب. وفي ظاهر الأمر، يبدو التمرد محدوداً. فبينما لايزال شتيغنر وموتزينيش يتمتعان ببعض النفوذ على يسار الحزب الاشتراكي الديمقراطي، إلا أنهما لم يتمكنا من إقناع سوى ثلاثة نواب آخرين بالتوقيع على بيانهما. ويُعتقد أن مبادراتهما قوبلت بالرفض من قبل عدد من كبار السياسيين الآخرين. ومعظم الموقعين، القادمين من «دوائر السلام» شبه الرسمية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، هم سياسيون ومسؤولون من الدرجات المتوسطة والدنيا في التسلسل الهرمي للحزب، وكثير منهم متقاعدون. وخلافاً لهانز آيشل، الذي شغل منصب وزير المالية في عهد المستشار غيرهارد شرودر، صديق بوتين وعراب «صلة ألمانيا بموسكو»، تفتقر القائمة إلى أسماء يمكن حتى للناخب الألماني المطلع على نحو غير عادي أن يتعرف إليها. ويتمتع غيرهارد شرودر بعلاقة شخصية وثيقة مع بوتين، واستمر في الدعوة إلى نهج أكثر ليونة تجاه روسيا منذ أن ترك منصبه عام 2005. ومع ذلك، لايزال هناك قلق كبير من أن عودة الحركة السلمية قد تُرسّخ الانقسامات في ائتلاف ميرتس وكلينغبيل، وتصبّ في مصلحة حزب البديل من أجل ألمانيا، وتدفع ناخبي الحزب الاشتراكي الديمقراطي ذوي التوجهات السلمية إلى أحضان اليسار الراديكالي. وقال مصدر في الحزب الاشتراكي الديمقراطي: «الضرر كبير لأن الحكومة هشة»، وأضاف: «لقد راهن كلينغبيل بكل قوته على سعيه الجريء نحو السلطة، فقد خلق أعداءً بين النخب القديمة، الساعية للانتقام. وزاد الإنفاق على التسلح، كما أن خطاب الحرب لا يحظى بشعبية دائمة في الحزب الاشتراكي الديمقراطي، يجب على كلينغبيل أن يُخمد هذه النيران». عن «التايمز» اللندنية • على مدى 20 عاماً مثّلت اللقاءات المعروفة باسم «حوارات بطرسبورغ»، رمزاً للعلاقة المميزة بين برلين وموسكو، وفرصة للمتعاطفين مع روسيا في النخبة الألمانية لتوسيع قاعدة أعمالهم ومعرفتهم بالكرملين.