logo
آلام تقابلها آمال بانتهاء صراع امتد لأربعة عقود بين تركيا والأكراد

آلام تقابلها آمال بانتهاء صراع امتد لأربعة عقود بين تركيا والأكراد

BBC عربية٢٦-٠٦-٢٠٢٥
شعرت ليلى بأن الفرصة حانت أخيراً لترى ابنها لأول مرة منذ أكثر منذ ثلاثة أعوام، بعد أن أعلن حزب العمال الكردستاني مؤخراً عن حلّ نفسه وتخليه عن السلاح، إيذاناً بانتهاء صراعه مع تركيا الذي استمر لعقود.
وسرعان ما تبددت آمال ليلى، التي غيرنا اسمها بناءً على طلبها؛ تجنباً لاحتمال تعرضها للأذى على يد حزب العمال.
تخبرني الأم، التي تعيش في إحدى المدن العراقية الكردية، أن ابنها تركها قبل أكثر من ثلاثة أعوام لينضم إلى مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتمركزين في جبال القنديل، بإقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي والواقع شمالي العراق.
أدت المواجهات المسلحة ما بين حزب العمال الكردستاني والسلطات التركية، على مدار 40 عاماً، لمقتل نحو 40 ألف شخص، بينهم الكثير من المدنيين. وجاء إعلان زعيم الحزب عبدالله أوجلان، الشهر الماضي، ليفتح الباب أمام إمكانية إنهاء واحد من أطول الصراعات في العالم.
وحتى اللحظة لم تنطلق محادثات بين الطرفين المتصارعين تمهد الطريق للوصول لاتفاقية سلام، وهو ما ساهم في شعور ليلى بالإحباط. وتقول: "في البداية فرحنا، لكن الأيام مرت ولم يتغير شيء. لم يتحول الإعلان لواقع ملموس على الأرض. ما من خطوة إيجابية اتخذت".
تطلعني ليلى على رسالة مصورة بعثها إليها ابنها العشريني في مارس/آذار 2025، ولم تتلق منه إلا رسالتين مصورتين فحسب، خلال ثلاث سنوات.
"غسيل مخ"
لم تكن تعلم شيئاً بشأن حزب العمال الكردستاني حتى بدأ ولدها، الذي كان يعمل في أحد المطاعم، يحدثها عن أيديولوجية الحزب وكيفية انخراطه في "الدفاع عن حقوق الأقلية العرقية الكردية" التي تعيش في كل من تركيا والعراق وسوريا وإيران.
واستغرق الأمر عامين كاملين حتى قرر الأبن الانضمام للمقاتلين في جبال قنديل. وترى الأم أن حزب العمال الكردستاني "كان يجنده ببطء وتدرج، خلال وجوده معنا في المدينة، من خلال السيطرة على أفكاره وزرع مبادئ الحزب بداخله. كانت عملية أشبه بغسيل المخ".
وسرعان ما بدأت تلاحظ التغيير في سلوكيات ابنها الذي بدا أكثر استقلالية، حيث أصبح يغسل ملابسه بنفسه وينظف غرفته. "لم يكن هذا سلوكه من قبل، ولم أدرك أن الحزب كان يعدّه سلفاً للحياة الشاقة التي سيعيشها في الجبل".
ويمثل الأكراد نحو 20 في المئة من سكان تركيا. وأسس عبدالله أوجلان حزب العمال الكردستاني في عام 1978، وقاتل المسلحون في البداية بهدف استقلال المناطق الكردية، لكن هذه الأهداف تراجعت لاحقاً إلى الحصول على حكم ذاتي والمزيد من الحقوق للأقلية الكردية.
ويُصنف الحزب كجماعة إرهابية في كل من تركيا والولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، كما حظره العراق العام الماضي.
"أريد رؤية ابني"
حاولت ليلى كثيراً ثني ابنها عن الانضمام للحزب لكن دون جدوى. وتتذكر اليوم الذي صعد فيه ابنها لجبال قنديل. وتقول إنه جاء بصحبة "ثلاثة من الرفاق ليخبرني أنه سيذهب في دورة تدريبية لستة أشهر. ولم أجد أي جدوى من معارضته، فقد كان مصمماً".
تشكك ليلى كثيراً في إمكانية انتهاء الصراع المسلح ما بين تركيا والحزب. وتقول: "لن يتخلى الحزب عن السلاح، وحتى إن فعل، سيلجأ لتشكيل جماعة جديدة باسم جديد ليحمل السلاح مرة أخرى".
ولا تحمل كلماتها شكوكاً فحسب، بل الكثير من الغضب الذي يرجع لحرمانها الطويل من ابنها. فقد انخرطت بالبكاء أكثر من مرة خلال حديثنا.
وتقول بسخط ويأس واضحين: "إذا كان الحزب جاداً بشأن إنهاء نشاطه المسلح، كان ليسمح لي برؤية ولدي. سأكون راضية حتى إذا سمحوا لي برؤيته مرة واحدة في العام".
جبال قنديل
ذهبنا في رحلة طويلة وشاقة إلى جبال قنديل الواقعة في إقليم كردستان العراق، على الحدود بين العراق وإيران. واتخذ مقاتلو الحزب هذه الجبال الوعرة مقراً لهم منذ عام 1984، إذ شنوا منها العديد من الهجمات المسلحة على المدن التركية.
وقطعنا الطريق الترابي المتعرج الضيق في ساعات طويلة. وعلى امتداد البصر لم نرى إلا جبالاً شاهقة تكسوها الأشجار وتخلو إلى حد كبير من مظاهر العمران البشري.
فلم نلحظ إلا وجود أعداد محدودة من المزارعين والرعاة. وقد ساعدت طبيعة المكان في توفير حماية نسبية للمسلحين من نيران قصف الطيران التركي الذي لم يتوقف على كردستان العراق حتى بعد الإعلان عن حل الحزب والتخلي عن السلاح.
وما أن اقتربنا من نقاط تفتيش حزب العمال الكردستاني حتى رأينا صوراً ضخمة لزعيم الحزب عبدالله أوجلان معلقة في الجبال. منعنا الجنود القائمون على نقطة التفتيش من الدخول وطلبوا أن نعود أدراجنا رغم وجود تنسيق مسبق كان من المفترض أن يسمح لنا بالدخول لمناطق نشاط المسلحين والحديث إليهم.
وعلمنا من السلطات المحلية للحزب في المنطقة أن محادثات تجري حالياً بين أعضاء الحزب، ولذلك فهم لا يحبذون وجود الإعلام في الوقت الحالي. ولم يوضحوا طبيعة هذه المحادثات أو مضمونها.
نزع سلاح الحزب
ويظل المجهول هو آلية تفكيك الحزب ونزع سلاحه أكثر من المعلوم. وفي لقاء أجريناه معه الشهر الماضي، أخبرنا وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، أن هناك "نحو سبعة آلاف مقاتل للحزب في جبال قنديل". وأوضح حسين أن محادثات ستجري ما بين العراق وتركيا وحكومة إقليم كردستان العراق من أجل "التوصل إلى آلية عمل مشتركة تؤدي إلى تسليم سلاح الحزب".
ولا تزال الصورة شديدة الضبابية بشأن إمكانية عقد اتفاقية سلام ما بين تركيا وحزب العمال الكردستاني أو البنود التي قد يتضمنها أي اتفاق من هذا النوع.
وفي بيان مكتوب رداً على أسئلة لبي بي سي، قال زاغروس هيوا، المتحدث باسم منظمة اتحاد مجتمعات كردستان التي ينضوي تحتها حزب العمال الكردستاني، إن الحزب جاد وملتزم بما أعلن عنه وأن "الكرة الآن في ملعب تركيا. ولا يمكن لعملية سلام أن تتم بناء على خطوات أحادية الجانب".
وطالب هيوا أنقرة بالاستجابة لمجموعة مطالب منها الإفراج عن زعيم الحزب عبدالله أوجلان، السجين لدى تركيا منذ عام 1999. فأوجلان سيكون هو الممثل الرئيسي للأكراد في أي محادثات قد تنعقد مع الأتراك.
كما دعا هيوا في رده على بي بي سي للإفراج عمن وصفهم بسجناء الرأي الأكراد والمقدرة أعدادهم بالآلاف، فضلاً عن وقف الغارات الجوية التركية على كردستان العراق.
لكن قائداً ميدانياً لدى الحزب في العراق أخبرنا في رد مكتوب على أسئلتنا أن مسألة التخلي عن السلاح "ليست مطروحة للنقاش"، موضحاً أن "معالجة الأسباب الجذرية للصراع، لن تجعل للسلاح قيمة"، وهو ما يشير إلى أن قرارات أوجلان، حال تنفيذها، قد تصطدم بعراقيل.
"فخر وألم"
وعلق الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، على قرار حل الحزب بأنها خطوة مهمة نحو الوصول إلى "تركيا خالية من الإرهاب". وكتب على حسابه على موقع إكس، الشهر الماضي، أن مرحلة جديدة ستبدأ في البلاد "بعد القضاء على العنف والإرهاب".
لكن العائلات التي فقدت بعضاً من ذويها في هذا الصراع يصعب عليها تقبل فكرة إنهاء النشاط المسلح.
كان كاوا، المقاتل في صفوف حزب العمال، في 21 من عمره عندما قُتل قبل عامين. تذكر أخته رونديك المرة الأخيرة التي التقته فيها في جبال قنديل عام 2019. وتقول إنها حاولت إقناعه بالعودة معها "لكنه رفض رفضاً قاطعاً، بل طلب مني الانضمام إليه".
وداخل منزل أسرة كاوا التي تسكن مدينة السليمانية الكردية، شاهدت الكثير من صوره على الجدران. وتقول أخته العشرينية إن لحظة التخلي عن السلاح هي مصدر "ألم وفخر، خاصة بعد خسارتنا الفادحة".
وتؤكد رونديك وأسرة كاوا المؤيدة لحزب العمال الكردستاني "أن تضحيات شهدائنا هي التي مهدت الطريق للقادة كي يناقشوا مباحثات السلام".
"أريد أن أرحل"
ولا مؤشر حتى الآن على استعداد تركيا لتقديم أي تنازلات للحزب، كما لا يوجد أي جدول زمني واضح لانطلاق محادثات بين الطرفين. ففي مارس/آذار 2025، طالب وزير الدفاع التركي، يشار غولر، حزب العمال الكردستاني "وجميع امتداداته النشطة في مختلف المناطق"، بضرورة تسليم أسلحتهم "فوراً دون قيد أو شرط".
ولا يشير غولر للعراق فحسب، بل يشير أيضاً إلى سوريا التي تنشط فيها وحدات حماية الشعب الكردي، التي تعتبرها أنقرة فرعاً سورياً لحزب العمال الكردستاني. وحصلت وحدات حماية الشعب الكردي قبل نحو عشر سنوات على دعم أمريكي لدورها في مواجهة ما يُعرف بتنظيم الدولة الإسلامية، الذي استولى على مساحات شاسعة من العراق وسوريا. وأدى هذا الدعم الأمريكي للأكراد إلى توتر العلاقة ما بين واشنطن وأنقرة.
لكن أمّاً مثل ليلى لا تُعنى إطلاقاً بكل هذه التعقيدات السياسية والتفاصيل المتعلقة بموازين القوى في المنطقة، فكل ما يشغلها هو عودة ولدها.
وتقول: "إذا عاد سآخذه وأرحل عن تلك المدينة التي انتزعته مني، فلقد اختبرت فيها الكثير من الألم".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من بينهم هتلر وموسوليني: شخصيات مثيرة للجدل رُشحت لجائزة نوبل للسلام
من بينهم هتلر وموسوليني: شخصيات مثيرة للجدل رُشحت لجائزة نوبل للسلام

BBC عربية

timeمنذ 3 أيام

  • BBC عربية

من بينهم هتلر وموسوليني: شخصيات مثيرة للجدل رُشحت لجائزة نوبل للسلام

تُعد جائزة نوبل للسلام من أرفع الجوائز العالمية التي تُمنح تكريماً للجهود المبذولة في سبيل إحلال السلام ومواجهة النزاعات والصراعات في العالم، بيد أن تاريخ الجائزة لم يخلُ من مناسبات أثارت الحيرة والجدل، لاسيما بسبب ارتباطها بشخصيات سياسية ذات سجل دموي أو ديكتاتوري، جرى ترشيحهم لنيلها، وهو ما أثار تناقضاً مع ما تمثله الجائزة من قيم إنسانية وطرح تساؤلات بشأن المعايير التي تحكم الترشيحات. كان من بين الأسماء التي أثارت الدهشة، أدولف هتلر، وبنيتو موسوليني، وشخصيات أخرى تركت بصمات حالكة في تاريخ البشرية، وعلى الرغم من عدم فوز أي منهم بالجائزة، فإن مجرد إدراج أسمائهم ضمن قائمة المرشحين فتح باباً للنقاش بشأن "التسييس" المحتمل للجائزة وتوظيفها في بعض الفترات لأهداف لا تمت بالضرورة إلى السلام بصلة. ونستعرض هنا، على أساس تسلسل زمني، أبرز الشخصيات السياسية، والخلفيات والسياقات التاريخية التي قادت إلى ترشيحهم لجائزة نوبل للسلام، مع تعريف موجز في البداية لطبيعة الجائزة. ما هي جائزة نوبل للسلام؟ في السابع والعشرين من نوفمبر/تشرين الأول عام 1895، وقّع المهندس والكيميائي السويدي، ألفريد نوبل (1833-1896)، مخترع الديناميت، وصيته الأخيرة، مُخصّصاً الجزء الأكبر من ثروته لسلسلة من الجوائز تُعرف بجوائز نوبل، تمنح في مجالات : الطب والفيزياء والكيمياء والآداب والسلام. ووفقًا لما ورد في وصيته، فقد خُصّص جزء منها "للشخص الذي قدّم أفضل أو أعظم إنجاز في سبيل تعزيز الأخوّة بين الأمم، وإلغاء أو تقليص الجيوش الدائمة، وتنظيم مؤتمرات السلام ودعمها". وتُمنح جائزة نوبل للسلام سنوياً منذ عام 1901، ولم تُمنح في تسع عشرة مناسبة فقط، والسبب وراء عدم منحها في تلك الأعوام أن اللوائح الخاصة بمؤسسة نوبل تنص على ما يلي: "إذا تبيّن أن أياً من الأعمال الخاضعة للنظر لا يتمتع بالأهمية المشار إليها في الفقرة الأولى، يُحتفظ بأموال الجائزة إلى العام التالي. وإذا تعذّر منح الجائزة حتى في ذلك الوقت، يُضاف المبلغ إلى الصندوق المخصص للمؤسسة". كما تجدر الإشارة إلى أنه خلال فترة الحربين العالميتين الأولى والثانية، مُنحت جوائز نوبل عموماً بأعداد أقل من المعتاد. ونرصد على مدار تاريخ نوبل للسلام، منح الجائزة لفائز واحد 71 مرة، وتقسيمها 31 مرة بين فائزَين اثنين، وتقسيم الجائزة على ثلاثة أشخاص في ثلاث مناسبات مختلفة: في عام 1994 عندما ذهبت لياسر عرفات، شيمون بيريز، وإسحاق رابين، وفي عام 2011 عندما مُنحت لإلين جونسون سيرليف، ولايمه غبوي، وتوكل كرمان، وفي عام 2022 عندما مُنحت لأليس بيالياتسكي، ومنظمة "ميموريال" الروسية، ومركز الحريات المدنية الأوكراني. وتنص اللوائح الخاصة لمؤسسة نوبل على: "يجوز تقسيم مبلغ الجائزة بالتساوي بين عملَين إذا رأى القائمون أن كلاً منهما يستحق الجائزة. وإذا كان العمل الفائز قد أُنجز من جانب شخصين أو ثلاثة، تُمنح الجائزة لهم مجتمعين. ولا يجوز إطلاقاً تقسيم الجائزة على أكثر من ثلاثة أشخاص". ويحق لأي شخص يستوفي شروط الأهلية أن يقدّم ترشيحاً لجائزة نوبل للسلام، وقد يتجاوز عدد المرشحين للجائزة ثلاثمائة شخص، بعدها يجري تقليص القائمة إلى ما بين عشرين وثلاثين مرشحاً، وهذه القوائم لا تُنشر للعامة، بل تُحفظ بسرية تامة. وفيما يلي أبرز المرشحين للجائزة الأكثر إثارة للجدل سياسياً في تاريخ الجائزة. بينيتو موسوليني رُشح الزعيم الفاشي الإيطالي، بينيتو موسوليني (1883-1945)، للجائزة في عام 1935، وهو نفس العام الذي غزا فيه إثيوبيا، وجاء ترشيحه أيضاً بعد أن أخضع نحو ثلاثة أرباع الشركات الإيطالية لسيطرة الدولة، واعتقاد البعض أنه جلب الاستقرار والنظام لإيطاليا بعد فترة من الفوضى. وعلى الرغم من أن الترشيح لم يُثمر عن فوزه، فإن تقديم "ديكتاتور" معروف باضطهاده للمعارضين كمرشح للسلام لا يزال يُعتبر من أكثر مناسبات الجائزة إثارة للجدل. ومع أن موسوليني نال ترشيحاً للجائزة، إلا أنه لم يُدرَج ضمن القائمة المختصرة التي أعدّتها لجنة نوبل، ومع ذلك، أُفيد بأن اللجنة شهدت خلافاً بشأن منح الجائزة في ذلك العام من عدمه. وفي نهاية المطاف، مُنحت الجائزة لكارل فون أوزيتسكي، وهو ألماني قاد حملة معارضة لإعادة تسليح ألمانيا. أدولف هتلر رُشح أدولف هتلر، زعيم ألمانيا النازية، للجائزة في عام 1939 من قِبل عضو في البرلمان السويدي، وهو ترشيح انطوى على "السخرية" احتجاجاً على ترشيح شخصية أخرى. رُشِّح هتلر مرة واحدة فقط للجائزة، وقدّم ترشيحه إي. جي. سي. برانت، البرلماني وعضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي، بيد أن برانت، المعروف بمناهضته للفاشية، لم يقصد أن يُؤخذ هذا الترشيح على محمل الجد، بقدر ما كان بمثابة نقد ساخر للنقاش السياسي الدائر آنذاك في السويد. تبدأ قصة ترشيح هتلر في الرابع والعشرين من يناير/كانون الثاني عام 1939، عندما قدّم اثنا عشر نائباً في البرلمان السويدي ترشيحاً يدعم رئيس الوزراء البريطاني، نيفيل تشامبرلين، لنيل جائزة نوبل للسلام، واستندوا في ذلك إلى اعتقادهم بأن تشامبرلين أنقذ السلام العالمي عبر توقيعه على اتفاق ميونيخ مع هتلر في سبتمبر/أيلول عام 1938، وهو اتفاق قضى بتسليم منطقة السوديت التابعة لتشيكوسلوفاكيا إلى ألمانيا. وجاء في خطاب ترشيح تشامبرلين أنه "الرجل الذي أنقذ، خلال هذه الحقبة العصيبة، منطقتنا من العالم من كارثة رهيبة". وبعد مرور ثلاثة أيام فقط على ترشيح تشامبرلين، أرسل برانت خطاباً إلى اللجنة النرويجية لجائزة نوبل، رشّح فيه أدولف هتلر لنيل الجائزة، وأثار هذا الترشيح لهتلر موجة من الاحتجاجات من قِبل الشيوعيين والاشتراكيين الديمقراطيين والليبراليين المناهضين للفاشية في السويد. كما وُصف برانت بأنه "مجنون وأخرق وخائن" لمبادئ الطبقة العاملة. وبناء عليه أُلغيت جميع محاضراته في مختلف الجمعيات والنوادي، وقد أعرب برانت عن دهشته إزاء ردود الفعل العنيفة، بيد أنه فسر موقفه من هذا الترشيح لاحقاً. في مقابلة مع صحيفة "سفينسكا مورغونبوستن" السويدية، أوضح برانت أن ترشيحه لهتلر كان ذا طابع ساخر، بعد أن دفعه ترشيح تشامبرلين إلى القيام بترشيح مضاد لهتلر، تعبيراً عن رفضه للنازية، ورأى أن اتفاق ميونيخ شكّل طعنة في ظهر تشيكوسلوفاكيا من قبل القوى الغربية، التي سلّمت منطقة السوديت إلى ألمانيا تحت ذريعة الحفاظ على السلام. ومع اشتداد ردود الفعل العنيفة تجاه الترشيح، وظهور دلائل واضحة على أن الغالبية في السويد لم تدرك البعد الساخر وراء ترشيح هتلر، سحب برانت الترشيح من خلال رسالة وجّهها إلى اللجنة النرويجية لجائزة نوبل بعد بضعة أيام، وتحديداً في الأول من فبراير/شباط، وهو التاريخ النهائي لتقديم الترشيحات لجائزة عام 1939. جوزيف ستالين في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ظهرت ترشيحات أخرى مثيرة للجدل، وكان أكثرها إرباكاً ترشيحان لزعيم الاتحاد السوفيتي السابق، جوزيف ستالين (1879-1953)، الذي رشح أولاً في عام 1945، ثم مرة أخرى في عام 1948، بيد أن ترشيحه كان جدلياً جداً بسبب مسؤوليته عن "مجازر" و"اضطهادات" في الاتحاد السوفيتي. صدر ترشيح عام 1945 مباشرة بعد نهاية الحرب، وقدمّه هالفدان كوت، وهو مؤرخ بارز وكان يشغل سابقاً منصب وزير الخارجية النرويجي، وقد ضمّ كوت ستالين إلى قائمة تضم سبعة مرشحين آخرين، ورغم تعذر معرفة الدوافع الحقيقية وراء هذا الترشيح، يُرجّح أنه كان مدفوعاً باعتبارات سياسية. فعند كتابة رسالة الترشيح، كانت النرويج متحالفة مع الاتحاد السوفيتي لعدة سنوات، وكان الجيش الأحمر قد حرّر جزءاً من أراضيها من الاحتلال الألماني، وروّجت وسائل الإعلام في الدول المتحالفة صورة إيجابية لستالين آنذاك، نظراً لدور السوفييت خلال الحرب. وثمة احتمال، بحسب مؤرخين، أن كوت اعتبر ستالين أحد المساهمين الرئيسيين في تحقيق النصر للحلفاء، فقام بترشيحه على هذا الأساس، إلا أن ستالين لم يُمنح الجائزة، إذ ذهبت بدلاً من ذلك إلى السياسي الأمريكي، كورديل هل. وثمة احتمال أن يكون الترشيح الثاني لستالين في عام 1948 قد انطلق هو الآخر من دوافع سياسية، وقد جاء هذا الترشيح من أستاذ جامعي تشيكوسلوفاكي يُدعى فلاديسلاف رييجر. خلال تلك الفترة، كانت مساهمة الاتحاد السوفيتي في المجهود الحربي لا تزال محل تقدير واسع، كما أن تنامي نفوذ السوفييت في دول أوروبا الشرقية، مثل تشيكوسلوفاكيا، جعل من الضروري إبداء قدر من الاحترام اللائق للزعيم السوفيتي، ستالين. قد يكون هذا هو الدافع وراء ترشيح ستالين، إلا أن ذلك لم يُفضِ إلى منحه الجائزة، فكما في المرة السابقة، لم يتم اختيار ستالين، ولم تُمنح الجائزة لأي شخص في تلك السنة، وقد أُعلن وقتها أن السبب هو عدم وجود مرشحين أحياء يستحقونها، فيما اعتُبر بمثابة تكريم رمزي للمهاتما غاندي الذي كان اغتيل مؤخراً. مهاتما غاندي رُشح غاندي خمس مرات دون أن يُمنح الجائزة على الإطلاق، وهو أمر مثير للدهشة، خصوصاً أنه رمز عالمي للسلام والمقاومة السلمية، ويعتقد كثيرون أن عدم منحه الجائزة يُعد خطأ تاريخياً فادحاً، إذ أغتيل في عام 1948 دون أن يحصل على التكريم الذي يراه البعض مستحقًا بامتياز. وفي عام 2006، صرّح المؤرخ النرويجي، غير لونديستاد، والذي كان يشغل آنذاك منصب رئيس لجنة نوبل للسلام، بأن عدم تكريم غاندي "أعظم سهو" في تاريخ الجائزة. هنري كيسنجر في عام 1973، مُنحت جائزة نوبل للسلام لوزير الخارجية الأمريكي آنذاك، هنري كيسنجر، وقد أثار هذا القرار موجة من الجدل، نظراً لدور كيسينغر في بعض أكثر الملفات إثارة للجدل في السياسة الخارجية الأمريكية، مثل حملات القصف السرّية في كمبوديا، ودعمه للأنظمة العسكرية القمعية في أمريكا الجنوبية. وحصل كيسنغر على الجائزة مناصفةً مع الزعيم الفيتنامي الشمالي، لو دوك ثو، وذلك لدورهما في التوصل إلى وقف إطلاق النار في حرب فيتنام. وفي أعقاب ذلك، قدّم عضوان من لجنة نوبل استقالتيهما احتجاجاً، بينما وصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية الجائزة بـ "جائزة نوبل للحرب". أونغ سان سو تشي فازت السياسية البورمية، أونغ سان سو تشي بجائزة نوبل للسلام عام 1991، وذلك تقديراً لـ"كفاحها السلمي" ضد الحكم العسكري في ميانمار. غير أنه، وبعد مرور ما يزيد على 20 عاماً، وُجهت إليها انتقادات حادة بسبب تقاعسها عن التنديد بعمليات قتل جماعي وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتُكبت بحق مسلمي الروهينجا في بلادها، والتي وصفتها الأمم المتحدة بـ "الإبادة الجماعية". كما تعالت بعض الدعوات لسحب الجائزة منها، إلا أن اللوائح التي تحكم جوائز نوبل تمنع ذلك. ياسر عرفات في عام 1994، مُنحت جائزة نوبل للسلام شراكاً للزعيم الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إسحاق رابين، ووزير الخارجية، شمعون بيريز، تقديراً لجهودهم في اتفاقيات أوسلو للسلام، التي مثّلت في تسعينيات القرن الماضي أملاً في تسوية النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي. أثار منح الجائزة لياسر عرفات، الذي ارتبط اسمه في السابق بأنشطة شبه عسكرية، موجة من الانتقادات في إسرائيل وخارجها، بل إن ترشيحه أثار جدلاً داخل لجنة نوبل ذاتها. كما استقال أحد أعضائها وهو السياسي النرويجي، كاري كريستيانسن، احتجاجاً على هذا القرار. باراك أوباما أثار منح الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، جائزة نوبل للسلام عام 2009 دهشة واسعة، حتى لدى الفائز نفسه، فقد ذكر أوباما في مذكراته الصادرة عام 2020 أن أول رد فعل له على الإعلان عن الجائزة كان تساؤله: "مقابل ماذا؟" لم يكن قد مضى على تولي أوباما الرئاسة سوى تسعة أشهر، واعتبر معارضون أن منح الجائزة له كان قراراً متسرعاً، لا سيما أن موعد إغلاق باب الترشيحات كان بعد 12 يوماً فقط من توليه المنصب. وفي عام 2015، صرّح المدير السابق لمعهد نوبل، غير لونديستاد، لبي بي سي أن اللجنة المانحة للجائزة ربما ندمت على هذا القرار. وقد شهدت فترتا رئاسة أوباما استمرار مشاركة القوات الأمريكية في العمليات العسكرية في أفغانستان والعراق وسوريا. آبي أحمد في عام 2019، مُنِح رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، جائزة نوبل للسلام تقديراً لجهوده في تسوية نزاع حدودي طويل الأمد مع إريتريا المجاورة. بيد أنه بعد مرور عام واحد فقط، طُرحت تساؤلات بشأن مدى صواب قرار منحه الجائزة، إذ واجه آبي أحمد انتقادات واسعة من المجتمع الدولي عقب قراره بنشر قوات في إقليم تيغراي شمال البلاد. وأدى هذا التدخل العسكري إلى نشوب حرب أهلية حُرم فيها الملايين من الحصول على الغذاء والدواء والخدمات الأساسية، ويُقدّر أن مئات الآلاف لقوا حتفهم خلالها. ويتبيّن من استعراضنا السابق أن ترشيحات جائزة نوبل للسلام، التي ضمّت شخصيات سياسية مثيرة للجدل، أبرزت تداخلاً معقداً بين السياسة والمبادئ الإنسانية، فعلى الرغم من أن الجائزة تهدف إلى "تكريم" كل من يسهم في ترسيخ وإحلال السلام في العالم، إلا أن بعض الترشيحات، سواء كانت بدوافع رمزية أو احتجاجية أو حتى سياسية، أثارت تساؤلات بشأن معايير الاختيار وأبعادها الأخلاقية، لتبقى بمثابة تذكير بأن السعي إلى السلام ليس مساراً خالياً دوماً من التناقضات.

"إلقاء رمزي" للسلاح لحزب العمال الكردستاني، وظهور نادر لعبدالله أوجلان
"إلقاء رمزي" للسلاح لحزب العمال الكردستاني، وظهور نادر لعبدالله أوجلان

BBC عربية

timeمنذ 3 أيام

  • BBC عربية

"إلقاء رمزي" للسلاح لحزب العمال الكردستاني، وظهور نادر لعبدالله أوجلان

وعد زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، في رسالة مصوّرة نادرة نشرت، الأربعاء، بتخلي الحزب عن سلاحه في أقرب وقت، لينهي مع تطبيقه نحو 40 عاماً من النزاع المسلح مع تركيا التي قالت إنها "لن تسمح بأي محاولة لتخريب العملية". وقال أوجلان في الشريط المصوّر الذي نشرته وكالة فرات للأنباء المقربة من الحزب، "في إطار الإيفاء بالوعود التي التزمنا بها، ينبغي إنشاء آلية لإلقاء السلاح تُسهم في تحقيق تقدم في العملية، وانتهاء الكفاح المسلح بشكل طوعي والانتقال إلى المرحلة القانونية والسياسة الديمقراطية". وأشار أوجلان الزعيم التاريخي المسجون في تركيا منذ عام 1999، إلى أنه "بخصوص إلقاء السلاح سيتم تحديد الطرق المناسبة والقيام بخطوات عملية سريعة". بُثّ تصريح أوجلان، قبل يومين من مراسم تُنظم في شمال العراق، حيث يتمركز الأكراد، من المقرّر أن تسّلم خلالها دفعة أولى من مقاتلي الحزب سلاحها، بعد شهرين من إعلان حزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون "بالإرهابي"، حلّ نفسه وإلقاء السلاح. إلقاء "رمزي" للسلاح أوجلان لفت في المقطع المسجل في يونيو/ حزيران الماضي، إلى أنه حالياً "يتم تشكيل لجنة داخل البرلمان التركي من أجل نزع السلاح بشكل طوعي وفي إطار قانوني، وهذا أمر بالغ الأهمية ... من الضروري أن تكون الخطوات المتخذة حساسة وبعيدة عن المنطق الضيق". وتابع الرجل البالغ 76 عاماً، "أرى في هذه الخطوة بادرة حسن نية وأؤمن بها ... ويكمن إيماني بالسياسة وسلام المجتمع لا بالسلاح، أدعوكم لتطبيق هذا المبدأ". وظهر أوجلان، جالساً بقميص بيج اللون وأمامه كوب من الماء على طاولة، وبدا وكأنه يقرأ من نص مكتوبٍ في الفيديو الذي تبلغ مدته سبع دقائق، وهو أول تسجيل علني مصور له أو لصوته منذ اعتقاله. وكان يجلس بجانبه ستة آخرون من أعضاء حزب العمال المسجونين، وجميعهم ينظرون مباشرة إلى الكاميرا، وفق وكالة رويترز. ورأى مدير المركز الكردي للدراسات، نواف خليل، إن توقيت دعوة أوجلان "ليس مفاجئاً" بل "مرتبط بمجمل التطورات التي حدثت في الشرق الأوسط وتحديداً بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ووصول ترامب والحديث الواضح عن شرق أوسط جديد". وأضاف في حديثه لبي بي سي، أن القيادة التركية "وصلت إلى قناعة عن عملية الإنكار التي طالت الأكراد منذ التوقيع على معاهدة لوزان 1923، لم تعد مجدية". وأشار خليل إلى أن قرار حل حزب العمل "اتخذ بالإجماع"، لافتاً إلى أنه "سيؤدي إلى تقوية مسار السلام وصولاً إلى حل القضية الكردية". ورأى أن حزب العمال "سيكون ملتزماً" بقراره وهو "أوفى بكل تعهداته وبشكل قاطع وواضح" على حد وصفه، لكنه قال إن "أي إخلال من الدولة التركية" بالاتفاق "سيكون سلبياً وستعاد المسألة إلى نقطة صفر وهذا لا يصب في مصلحة الطرفين". لكن المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، رأى أن تعهد حزب العمال بإلقاء سلاحه "ليس المأمول فقط" بل "المأمول والمطلوب أن يكون هناك جدية وحسن النوايا في تنفيذ ما تم التعهد به، التعهد شيء وتنفيذه شيء آخر". وقال أوغلو لبي بي سي، إن الحكومة التركية "تنتظر ألا يكون إلقاء السلاح صورياً وأن يكون تعهداً حقيقياً ومضموناً فعلياً وليس لفئة معينة وبسيطة"، موضحاً: "يجب أن يكون شمولياً ولا يقتصر فقط على حزب العمال الكردستاني في تركيا بل يشمل أذرعه في شمال العراق وسوريا". أوغلو تحدث عن "تحديات" تقف أمام إتمام عملية السلام بين حزب العمال والحكومة التركية، مشيراً إلى "وجود فرق وأذرع في حزب العمال ما تزال مترددة في تنفيذ هذا الاتفاق" لكن أوجلان "الشخص الوحيد الذي يستطيع إقناع هذه الفصائل بضرورة الالتزام وتنفيذ الاتفاق"، على حد تعبيره. رأى أن هناك "مماطلة" من حزب العمال وفروعه في تنفيذ الاتفاق وهو ما "يشكل تحدياً آخر" ما يجعل الحكومة التركية "منزعجة وتشكك في صدق هذه النوايا"، وقال أوغلو إن "الإسراع في تنفيذ الاتفاق هو من أهم المطالب التركية". وإذا نفذ الاتفاق على الأرض "ستتعهد تركيا بإيقاف العمليات العسكرية ضد الحزب خصوصاً في شمال العراق"، وفق أوغلو، وأوضح أن أنقرة "حريصة على تنفيذ التزاماتها في هذه المرحلة لأنها تريد أن تصل إلى ما يسمى دولة خالية من الإرهاب". وقال إن تركيا "الضامن الحقيقي لتحقيق السلام"، لافتاً إلى أنه بالنسبة لتركيا "لا يزال هناك يد على الزناد لكن هناك يد ممدودة على الطاولة". وقالت المتحدثة باسم حزب المساواة والديمقراطية للشعوب الموالي للأكراد في تركيا، عائشة جول دوغان، الأربعاء، إنه سيبدأ مسلحو الحزب تسليم الأسلحة في مدينة السليمانية في شمال العراق، الجمعة، في إطار عملية السلام مع تركيا. وفي كلمة لها في أنقرة، قالت دوغان، إن عملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني يجب أن تصبح دائمة من خلال سلسلة من الضمانات القانونية وتشكيل الآليات اللازمة للانتقال إلى السياسة الديمقراطية. وأضافت أن أعضاء من حزب المساواة والديمقراطية للشعوب سيحضرون المراسم في السليمانية، إلى جانب مجموعة من مسلحي حزب العمال، لكنها قالت إنها لا تملك معلومات أخرى عن العملية. ورأى خليل، أن عملية إلقاء السلاح المقرر أن تحدث الجمعة ستكون "رمزية"، على أن يعمل البرلمان التركي بعدها لـ "تهيئة الأرضية القانونية والأجواء، وصولاً إلى وضع السلاح بشكل كامل" من قبل الحزب. في غضون ذلك، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن بلاده لن تسمح بأي محاولة لتخريب عملية تخلي حزب العمال عن سلاحه، معرباً عن أمله في إتمام العملية في أقرب وقت ممكن. وفي حديثه أمام أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم في البرلمان، قال أردوغان إنه من المتوقع حدوث تطورات إيجابية في الأيام المقبلة. أوجلان شدد في الشريط المصور، على أن "حزب العمال الكردستاني قد تخلى عن هدف بناء الدولة القومية، وبالتالي تخلى عن استراتيجية الحرب"، وأنه "في المرحلة التاريخية الراهنة هناك آمال بتحقيق مزيد من التقدم". ماذا تعني دعوة الزعيم الكردي المسجون لنزع السلاح بالنسبة للشرق الأوسط؟ عقود من التمرد وكان حزب العمال، المحظور، أعلن في 12 مايو/ أيار الماضي، حلَّ نفسه وإلقاء السلاح، منهياً بذلك عقوداً من التمرّد ضد الدولة التركية، خلّف ما لا يقلّ عن 40 ألف قتيل، وتسببت لفترة طويلة في توترعلاقات السلطات التركية مع الأقلية الكردية والدول المجاورة. وبدأ حزب العمال الكردستاني حملته المسلحة عام 1984، وكان هدفه في الأصل إقامة دولة كردية مستقلة. وجاء ذلك، تلبية لدعوة أطلقها أوجلان في 27 فبراير/ شباط، من سجنه في جزيرة إيمرالي قبالة إسطنبول، حضّ فيها مقاتلي الحزب على إلقاء السلاح وحلّ الحزب. وفي الأول من مارس/ آذار، أعلن الحزب وقف إطلاق النار. وقبل دعوة أوجلان، كانت السنوات القليلة السابقة تشهد تصعيداً عسكرياً متواصلاً بين الحزب والقوات التركية، خصوصاً في شمال العراق وشمال شرق سوريا. وأمضى معظم مقاتلي الحزب السنوات العشر الماضية في مناطق جبلية في شمال العراق، حيث تقيم تركيا منذ 25 عاماً قواعد عسكرية لمواجهتهم، وشنّت بانتظام عمليات برية وجوية ضدّهم. لكن أردوغان، أكد في وقت سابق من هذا الشهر، أنّ جهود السلام مع الأكراد ستكتسب زخماً مع بدء مقاتلي حزب العمال بإلقاء أسلحتهم. وقبل ذلك، اتهم حزب العمال تركيا بعدم تنفيذ المطلوب منها، بعد التعهد بإلقاء السلاح. وقال مصطفى كارازو، أحد مؤسسي حزب العمال الكردستاني لقناة ميديا خبر القريبة من الحزب، "نحن جاهزون، لكن الحكومة التركية لم تتخذ الإجراءات الضرورية" لإنجاز العملية. والاثنين، التقى إردوغان وفداً من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب المؤيد للأكراد، وذلك للتباحث في الخطوات التالية بعد أن موافقة مسلحي حزب العمال الكردستاني على وضع حدّ لتمرّدهم. وحزب المساواة وديمقراطية الشعوب هو ثالث أكبر فصيل سياسي في تركيا، وقد اضطلع بدور رئيسي في الوساطة بين أنقرة وأوجلان. وقبل لقاء أردوغان، زار وفد من حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، أوجلان في سجنه. وقال أوغلو إن هذه اللقاءات "تدل على جدية أنقرة". ما مستقبل الجماعات الكردية المسلحة في المنطقة؟ ما مصير أوجلان؟ أوجلان، المولود عام 1949 في شانلي أورفا، جنوب شرق تركيا، أصبح عضواً مؤسساً لحزب العمال الكردستاني في أوائل الثلاثينيات من عمره. ودرس أوجلان، الملقب بـ"أبو" (وتعني "العم" بالكردية)، العلومَ السياسيةَ في جامعة أنقرة، حيث تبنى الماركسية وبدأ بتشكيل الحركات الطلابية. في عام 1973، شارك في اجتماع أسس حزب العمال الكردستاني، حيث بدأ التخطيط لتأسيس دولة كردية مستقلة. وقاد الحزب إلى صراع مسلح بعد ذلك بفترة قصيرة، وأطلق تمرداً انفصالياً في عام 1984، بهدف إقامة دولة كردية في جنوب شرق تركيا، إلى أن اعتقل في عام 1999، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة. وكان حزب العمال دعا، تركيا، إلى تخفيف ظروف احتجاز زعيمه أوجلان، خصوصاً كونه "المفاوض الرئيسي" في محادثات السلام المأمول إجراؤها مع أنقرة بعد قرار الحزب إلقاء السلاح. ولاحقاً عبر كارازو، أحد كبار مسؤولي الحزب، عن أسفه لعدم تحسن ظروف اعتقال أوجلان. مدير المركز الكردي للدراسات، نواف خليل، قال لبي بي سي، إن عملية إطلاق سراح أوجلان متعلّقة بحل القضية الكردية. وأوضح: "لو أن تركيا غيرت الدستور المستمد من معاهدة لوزان واعترفت بالقضية الكردية وهي تتفاوض الآن مع أوجلان كممثل للشعب الكردي حينها ستتحول إلى دولة ديمقراطية"، وقال "ليس من المعقول" أن تتفاوض أنقرة مع أوجلان و"تبقيه في السجن إلى الأبد". وقال المحلل السياسي التركي، يوسف كاتب أوغلو، إن موضوع الإفراج عن أوجلان "شائك" لأن الأخير مسؤول عن تنظيم تصنفه أنقرة بـ "الإرهابي" وتحمله مسؤولية عشرات القتلى.

ما جائزة نوبل للسلام التي يرى ترامب أنه أهلٌ لنيلها؟
ما جائزة نوبل للسلام التي يرى ترامب أنه أهلٌ لنيلها؟

BBC عربية

timeمنذ 4 أيام

  • BBC عربية

ما جائزة نوبل للسلام التي يرى ترامب أنه أهلٌ لنيلها؟

عندما سلّم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة ترشيح رسمية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنيل جائزة نوبل للسلام، خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن، لم يكن الحدث مجرد لفتة دبلوماسية عابرة، بل لحظة جديدة أعادت واحدة من أرفع الجوائز العالمية إلى صدارة النقاش السياسي والإعلامي. نتنياهو قال إن ترامب "يصنع السلام في منطقة تلو الأخرى"، في إشارة إلى دوره في اتفاقات أبراهام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. ولم يكن هذا الترشيح الوحيد، فقد أعلنت باكستان في وقت سابق عن نيتها ترشيح ترامب، مشيدة بدوره في خفض التوتر مع الهند، لكن الترشيحات لم تمر بهدوء، وواجهت انتقادات واسعة، خاصة في ظل التطورات الميدانية التي شهدها الشرق الأوسط. بهذا الترشيح، عادت جائزة نوبل للسلام إلى دائرة الضوء، لا بسبب الأسماء فحسب، بل بسبب الأسئلة القديمة المتجددة التي تطرح نفسها مع كل ترشيح مثير: من يملك حق الترشيح؟ ومن يقرر؟ وبأي معايير تُمنح الجائزة التي تحمل اسم السلام؟ ما هي جائزة نوبل للسلام؟ تُعد جائزة نوبل للسلام واحدة من أكثر الجوائز شهرةً وتقديراً في العالم، وتعود جذورها إلى وصية الصناعي السويدي ألفريد نوبل، مخترع الديناميت، الذي أوصى عند وفاته عام 1896 بتخصيص ثروته لتأسيس جوائز تُمنح لمن قدّم أعظم إسهام في خدمة الإنسانية، في مجالات الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام. وتُمنح جائزة السلام تحديداً في النرويج، بخلاف الجوائز الأخرى التي تُمنح من قبل لجان سويدية، وقد كانت تلك رغبةً شخصيةً من نوبل نفسه، دون أن يوضح السبب في وصيته. وصدرت أول جائزة نوبل للسلام عام 1901، ومنذ ذلك الحين، باتت تُمنح سنوياً في العاشر من ديسمبر/كانون الأول، في العاصمة النرويجية أوسلو، تزامناً مع ذكرى وفاة نوبل، بينما يُعلن اسم الفائز عادة في شهر أكتوبر/تشرين الأول. وبين عامي 1901 و2024، مُنحت جائزة نوبل للسلام 105 مرة لـ142 فائزاً، من بينهم 111 شخصاً و31 منظمة. وتعد الولايات المتحدة تُعد الدولة الأكثر حصولاً على الجائزة عبر مواطنيها، تليها فرنسا، والمملكة المتحدة، وقد حصلت 19 امرأة على الجائزة حتى عام 2024، من بينهن الناشطة الباكستانية ملالا يوسفزاي، التي فازت بها عام 2014 وكانت أصغر الحائزين عمراً (17 عاماً). وأكبر الحائزين سناً كان جوزف روتبلت، الذي فاز عام 1995 عن عمر ناهز 87 عاماً. ورغم انتظامها السنوي، لم تُمنح الجائزة في 19 مناسبة، تحديداً في أعوام اندلعت فيها الحروب العالمية أو ساد فيها الاضطراب الدولي، ومن أبرز فترات الانقطاع كانت: أعوام الحرب العالمية الأولى: (1914، 1915، 1916، 1918)، وأعوام الحرب العالمية الثانية: (1939–1943) في بعض الحالات، كانت اللجنة تمتنع عن منحها لأسباب تتعلق بعدم وجود مرشّح يستوفي الشروط، أو تعذر التوافق. هل يقتصر الترشيح على الدول والحكومات؟ من المثير أن الدول والحكومات ليست هي الجهة الرئيسية لترشيح الأسماء لنيل جائزة نوبل للسلام، بل إن النظام الأساسي للجائزة لا يمنح حق الترشيح للدول ويعتمد على أفراد ومؤسسات محددين تنطبق عليهم شروط دقيقة، وهو ما يجعل الترشيحات في كثير من الأحيان مسألة شخصية أو رمزية أكثر منها رسمية. بحسب قواعد مؤسسة نوبل، يحق للجهات التالية تقديم ترشيحات سنوية: - أعضاء البرلمانات الوطنية والحكومات من مختلف دول العالم - رؤساء الدول - أساتذة الجامعات في مجالات الفلسفة، والحقوق، والعلوم السياسية، والتاريخ، والدين - الحائزون السابقون على جائزة نوبل بجميع فروعها - أعضاء المحاكم الدولية - مدراء ومعهدو مراكز الأبحاث في مجال السلام والنزاعات الدولية - رؤساء منظمات دولية معينة لها صفة مراقب في الأمم المتحدة وفي عام 2024، بلغ عدد المرشحين لجائزة نوبل للسلام 286 مرشحاً، وكان أعلى عدد من الترشيحات قد سُجّل في عام 2016، وبلغ 376 مرشحاً. وبينما يحتفظ معهد نوبل في أوسلو بسرية قائمة المرشحين الكاملة لمدة 50 عاماً – وفقاً لقواعد صارمة – يختار بعض المرشِّحين إعلان ترشيحاتهم للعامة، كما فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند ترشيحه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. تُفتح أبواب الترشيح مع بداية كل عام وتُغلق في 31 يناير كانون الثاني، بينما يتم الإعلان عن الفائز أو الفائزين بجائزة نوبل للسلام لعام 2025 يوم الجمعة 10 أكتوبر/تشرين الأول، على أن يُقام حفل تسليم الجائزة في 10 ديسمبر/أيلول في أوسلو، النرويج. وعادة ما تقوم اللجنة المسؤولة بعد إغلاق التشريحات، بإعداد قائمة أولية تُعرف بـ"القائمة القصيرة"، والتي تُعرض على مستشارين وخبراء دوليين مستقلين لتقديم تحليلات معمّقة عن سيرة المرشحين ودورهم في قضايا السلام. ومن المهم التأكيد أن مجرد ورود اسم شخص في قائمة المرشحين لا يعني تزكيته أو تأييداً رسمياً من اللجنة، ففي بعض السنوات، تلقت اللجنة مئات الترشيحات، بينها أسماء أثارت الجدل عالمياً، مثل أدولف هتلر في ثلاثينيات القرن الماضي، وستالين لاحقاً، وهنري كيسنجر الذي فاز فعلياً رغم الانتقادات. ولا تعتمد الجائزة على عدد الترشيحات، بل على قيمة العمل الفعلي الذي أسهم في تعزيز السلام، وفق المعايير التي وضعها ألفريد نوبل في وصيته الأصلية عام 1895. ماذا عن ترامب ونوبل؟ أمّا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لم يُخفِ يوماً رغبته في الحصول على جائزة نوبل للسلام، فقد تلقى خلال السنوات الأخيرة عدة ترشيحات معلنة، أبرزها من أعضاء في البرلمان النرويجي والسويدي، استندوا في ترشيحهم إلى دوره في توقيع اتفاقات أبراهام، التي مهّدت لتطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، بينها الإمارات والبحرين والمغرب والسودان. كما أشار مؤيدوه إلى سياساته تجاه كوريا الشمالية، وانفتاحه غير المسبوق على قيادتها، إلى جانب تقليص التدخلات العسكرية الأمريكية في بعض مناطق النزاع، مقارنة بإدارات سابقة. ترامب عبّر مراراً عن فخره بهذه الترشيحات، واعتبرها دليلاً على استحقاقه الدولي، مشيراً إلى ما يراه تجاهلاً إعلامياً لإنجازاته، وفي أحد تصريحاته، قال ساخراً: "أعطوا أوباما جائزة نوبل في بداية ولايته، أما أنا فقد أنجزت أكثر منه بكثير، ولم أحصل على شيء!". وغالباً ما يقارن ترامب مبادراته في الشرق الأوسط بسجلات رؤساء أمريكيين سابقين، في إطار تأكيده على أحقيته بالجائزة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store