logo
سوريا الآن تواجه أخطر سيناريو

سوريا الآن تواجه أخطر سيناريو

الجزيرةمنذ 2 أيام
بدا أن العملية السياسية التي أعقبت تغيير النظام في سوريا 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 تتجه نحو تبني نظام سياسي مركزي. فقد أسفر مؤتمر الحوار الوطني، الذي عُقد بتوجيهات من الرئيس السوري أحمد الشرع، عن قرار "اعتماد نظام حكم مركزي".
وفي هذا الإطار، تم إعداد "مسودة الدستور المؤقت" على أساس هذا النظام. وأعلنت تركيا وقطر، إضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية ودول غربية أخرى، دعمها لنظام سياسي "مركزي".
وقد عززت الأحداث الأمنية التي شهدتها مدن الساحل السوري في مارس/آذار 2025 الدعم لـ"نظام الحكم المركزي" على المستويين؛ الداخلي والدولي.
بيد أن أحداث السويداء، التي بدأت بين الدروز والبدو العرب، ثم تصاعدت لتصبح أزمة معقدة؛ بسبب الهجمات الإسرائيلية، يبدو أنها قد تؤثر على مستقبل سوريا الإداري.
فما حدث في السويداء عزز موقف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تقترح نظام حكمٍ لامركزيا في مواجهة حكومة دمشق. وقد تقاربت وجهات النظر بين أميركا وإسرائيل، اللتين تختلفان في العديد من النقاط، بشأن مستقبل سوريا بعد أزمة السويداء.
وقد عزز الدعم القوي الذي قدمته إسرائيل للدروز في أزمة السويداء وانسحاب حكومة دمشق من المنطقة، مطالب "الفدرالية/الحكم الذاتي" في كل من المنطقة العلوية، والمنطقة الكردية كذلك.
مؤتمر الحسكة
عقدت قوات سوريا الديمقراطية مؤتمرا في مدينة الحسكة بهدف المساهمة في تطوير موقف موحد بشأن إرساء نظام "اللامركزية" في سوريا، تحت اسم: "مؤتمر وحدة موقف مكونات شمال شرق سوريا".
شارك في المؤتمر أكثر من 400 شخص، بمن فيهم شخصيات بارزة من المنطقة تربطها علاقات جيدة مع قوات سوريا الديمقراطية، بما في ذلك بقايا نظام الأسد.
وشارك الزعيم الدرزي المدعوم من إسرائيل، حكمت الهجري، ورئيس مجلس العلويين السوري، الشيخ غزال غزال، عبر الإنترنت. كما شاركت في المؤتمر عشائر عربية وتركمانية، ونشطاء من المنطقة.
قامت قوات سوريا الديمقراطية بأسابيع من التحضيرات المكثفة لعقد المؤتمر، وخاصة في محافظتي دير الزور والرقة، بما في ذلك اجتماعات مكثفة مع النشطاء والشيوخ وشخصيات بارزة من العشائر الكردية والعربية، سعيا إلى زيادة الدعم الشعبي لنظام اللامركزية الذي اقترحته.
وقد أوضحت في اجتماعاتها أن نظام اللامركزية أو الحكم الذاتي يجب أن يشمل جميع مناطق سوريا، وليس مناطقها فحسب، وكان الهدف الرئيسي من المؤتمر أن تحشد زخما حول فكرة اللامركزية لتستخدمه في محادثاتها مع دمشق للتأكيد على أنه "النظام الوحيد الذي يلبي مطالب الشعب وطموحاته".
كما أرادت قوات سوريا الديمقراطية، من خلال إشراك الزعيم الدرزي حكمت الهجري، والشيخ العلوي غزال غزال في المؤتمر، أن تطرح مشروع اللامركزية على دمشق بوصفه مطلبا جامعا لمختلف المناطق.
وأوضح جيفان ملا إبراهيم، عضو اللجنة التحضيرية، أن الهدف يتمثل في توحيد موقف مكونات المنطقة، وإيصال رسالة صريحة إلى الأطراف السورية والدولية بأن هذه المكونات تمتلك إرادة مشتركة لبناء دولة سورية تعددية ولامركزية تكفل المساواة في الحقوق والواجبات.
وفي الأشهر الأخيرة، دفعت قوات سوريا الديمقراطية عددا من زعماء العشائر العربية في الرقة ودير الزور إلى تبني مشروع "الإدارة الذاتية"، وطرحه كخيار محلي، بغض النظر عن مستقبل وجودها في هذه المناطق.
وفي هذا السياق، عقد قائد قوات "قسد" مظلوم عبدي، إلى جانب عدد من المسؤولين، اجتماعات مع زعماء العشائر، وممثلي المجالس المحلية؛ لبحث منح السكان سلطات أوسع لإدارة شؤونهم بعيدا عن سلطة الحكومة المركزية في دمشق.
حمل البيان الختامي لمؤتمر الحسكة مؤشرات لافتة على ملامح مستقبل سوريا، مؤكدا تصميم المكونات السورية المشاركة على التحرك بشكل مشترك، حيث جاء فيه: "إرادة ممثلي الكرد والعرب والسريان والآشوريين والتركمان والأرمن والشركس والمجتمعات الأخرى اتحدت للتعبير عن التزامهم المشترك بخط وطني وديمقراطي شامل قائم على التنوع والشراكة والمواطنة المتساوية".
كما أشار البيان، في معرض تناوله ما جرى في اللاذقية والسويداء، إلى "ضرورة تحديد المسؤولين عن الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية في السويداء واللاذقية بغض النظر عن هويتهم"، في رسالة تهدف إلى زيادة الضغط على حكومة دمشق حيال هذه الأحداث.
وأعلن البيان دفاعه الواضح عن نموذج الإدارة الذاتية، معتبرا أن وحدة سوريا وسلامتها لا يمكن ضمانهما إلا عبر هذا النموذج. وجاء فيه: "أعرب المشاركون عن أن نموذج الإدارة الذاتية الحالي هو تجربة تشاركية يمكن تطويرها والنهوض بها، وتشكل مثالا حيا للحكم المجتمعي الديمقراطي".
كما خص البيان قوات سوريا الديمقراطية بإشادة بارزة، مؤكدا "تقديرهم الكبير للتضحيات التي قدمتها هذه القوات في الدفاع عن المنطقة وكرامة شعوبها"، واعتبارها "نواة لبناء جيش وطني جديد، طوعي ومهني، يمثل البنية المجتمعية الحقيقية لسوريا ويحمي حدودها ووحدة أراضيها".
ويُفهم من هذه الإشادة وما رافقها من محادثات بين الزعيم الدرزي حكمت الهجري، ورئيس مجلس العلويين السوري الشيخ غزال غزال، أن مظلوم عبدي سيحمل في مفاوضاته مع أحمد الشرع تمثيل الدروز والعلويين أيضا، خصوصا فيما يتعلق بقضايا نظام الحكم في البلاد.
كما لفت البيان إلى ضرورة إعداد مسودة دستور تقوم على بنية لامركزية، منتقدا مسودة الدستور المؤقت التي أعلنها الشرع لعدم تلبيتها مطالب السوريين في الحرية والكرامة، وداعيا إلى عقد مؤتمر حوار وطني جديد يضم جميع الأطراف.
ومع صدور هذا البيان، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية والمشاركون رفضهم أي ترتيبات إدارية أو سياسية أو قانونية أعلنتها دمشق منذ 8 ديسمبر/كانون الأول، ما جعل العملية التي انطلقت من أحداث السويداء ومرت بمؤتمر الحسكة تفتح بابا واسعا للنقاش حول شكل الدولة السورية، وتزيد الشكوك في قدرة الخطوات التي اتخذتها حكومة دمشق حتى الآن على ترسيخ دولة مركزية قابلة للاستمرار.
رد فعل دمشق وزيارة هاكان فيدان
قُوبل مؤتمر الحسكة وبيانه الختامي برد فعل غاضب من حكومة دمشق، التي اعتبرته خطوة مناقضة للاتفاق الموقع بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي في 10 مارس/آذار.
ونشرت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) تقييما لمسؤول حكومي لم يُذكر اسمه، عبر فيه عن موقف دمشق من المؤتمر، في صيغة غير رسمية لتجنب إصدار بيان مباشر تتحمل الحكومة تبعاته.
وجاء في هذا التقييم أن المؤتمر "ضربة لجهود التفاوض المستمرة"، وأن الحكومة "لن تتفاوض مع أي طرف يسعى لإعادة النظام المخلوع بأي شكل أو اسم"، كما عدت استضافة "شخصيات متورطة في أعمال انفصالية وعدائية" انتهاكا واضحا لاتفاق 10 مارس/آذار.
وأكد التقييم أن المؤتمر محاولة لجذب تدخلات أجنبية وإعادة فرض العقوبات، وحمّل قوات سوريا الديمقراطية المسؤولية عن تبعاته القانونية والسياسية والتاريخية، معتبرا أنه تهرب من الالتزامات المتعلقة بوقف إطلاق النار وتوحيد المؤسسات، وانتهاك مستمر للاتفاقية. كما شدد على أن شكل الدولة السورية سيُحدد من خلال دستور دائم يقره الشعب عبر استفتاء عام.
ولفت الانتباه إعلان هذا المسؤول أن دمشق لن تشارك في الاجتماع المقرر عقده في فرنسا مع قوات سوريا الديمقراطية، وهو موقف جاء بعد يوم واحد فقط من زيارة مفاجئة لوزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى دمشق 7 أغسطس/آب، لم يُعلن عنها مسبقا. ووفق مصادر في أنقرة، استمر لقاء فيدان مع الشرع ثلاث ساعات، خُصص جزء منها لاجتماع مغلق بين الرجلين.
وتناول اللقاء ملفات متعددة، من بينها أوضاع مخيمات تنظيم الدولة، ومسار المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق، وملف دمج هذه القوات في الدولة، إلى جانب الهجمات الإسرائيلية على سوريا. وتشير المصادر إلى أن قرار دمشق الانسحاب من اجتماعات فرنسا جاء بناء على توصية مباشرة من فيدان.
هل اللامركزية مناسبة لسوريا؟
تتنوع أشكال الحكم في العالم بين أنظمة رئاسية وأخرى برلمانية، إضافة إلى صيغ حكم أخرى تختلف باختلاف الدول.
ففي ألمانيا، مثلا، هناك 16 ولاية لكل منها برلمانها ورئيس وزرائها وقوانينها الخاصة، لكنها تبقى خاضعة للحكومة الفدرالية في مجالات مثل السياسة الخارجية والدفاع، ضمن نظام برلماني.
وفي الولايات المتحدة، تطبق الولايات نظامها الداخلي، لكن البلاد تحكمها سلطة رئاسية. أما المملكة المتحدة، فهي دولة مكونة من أربع دول: أسكتلندا، وإنجلترا، وويلز، وأيرلندا الشمالية، ولكل منها ترتيبات حكمها الخاصة.
وتظهر في آسيا والشرق الأوسط أيضا أشكال حكم مختلفة، تعكس في كل حالة تاريخ الدولة وخبرتها المؤسسية وتراكمها المجتمعي، وهو ما يجعل نقل أي نموذج حكم ناجح من بلد إلى آخر أمرا غير مضمون النتائج.
يستند مؤيدو الحكم الذاتي أو اللامركزية في تبريرهم إلى أمثلة مثل بقاء أسكتلندا ضمن المملكة المتحدة، أو كون هامبورغ ولاية ألمانية، أو انتماء فلوريدا إلى الولايات المتحدة.
لكن بناء نظام حكم ناجح يتطلب توافقه مع الواقع الجغرافي والسياق الاجتماعي والقيم السائدة، إذ قد لا يحقق النموذج الفاعل في أوروبا النتيجة ذاتها في بيئة جغرافية مختلفة.
ولهذا السبب، تبدو سوريا، ومنطقة الشرق الأوسط عموما، أقل ملاءمة لتطبيق نظام لامركزي، نظرا لاحتمال أن يؤدي إلى انقسامات في ظل غياب الأمن والاستقرار الاقتصادي.
فاللامركزية قد تكون أكثر جدوى في دول تتمتع بظروف سياسية وأمنية واقتصادية مستقرة، مع الأخذ في الاعتبار أن دولا راسخة مثل أسكتلندا حاولت الانفصال رغم استقرارها.
وفي السياق السوري، يرى كثيرون أن النقاش حول اللامركزية ينبغي أن يأتي بعد ترسيخ نظام مركزي يضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني. غير أن فاعلين ودوليين يحاولون استغلال أوجه القصور ومناطق الضعف لدى الحكم الجديد لدفع البلاد بعيدا عن مسار الحكم المركزي.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

من يملك مفاتيح الحل في سوريا؟
من يملك مفاتيح الحل في سوريا؟

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

من يملك مفاتيح الحل في سوريا؟

في أزقة دمشق القديمة، حيث تختلط رائحة الياسمين برائحة الغبار، وبين جدران ما زالت تحمل ندوب عقد من الحرب، يتردد سؤال واحد على ألسنة الناس: إلى أين تتجه سوريا؟ هذا السؤال لم يعد شأنا داخليا فحسب، بل صار مطروحا على طاولات صناع القرار في تل أبيب، وأنقرة، وواشنطن، وموسكو، وبكين، وبروكسل. غير أن الإجابات- حتى الآن- تأتي محملة بانتهازية سياسية، خارجية وداخلية، تجعل مستقبل البلاد رهينة لمصالح متضاربة، لا لمصلحة وطنية جامعة. من الحرب إلى التعقيد السياسي منذ 2011، شهدت سوريا تحولات جذرية، تحولت معها من دولة مركزية قوية- رغم كل التحديات- إلى ساحة مفتوحة لتدخلات إقليمية ودولية. تعاقبت مراحل الصراع: من الاحتجاجات الشعبية، إلى عسكرة الثورة، ثم صعود الفصائل المسلحة، وصولا إلى التدخلات العسكرية المباشرة من قوى كبرى وإقليمية. واليوم، وبعد أكثر من عقد، تبدو البلاد أمام مشهد سياسي معقد، تتقاطع فيه إرادات الفاعلين الخارجيين مع تحديات الداخل، في مرحلة انتقالية عنوانها الأبرز: غياب الحل الشامل، وحضور الصفقات المؤقتة. إسرائيل، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، تركيا، روسيا، إيران… جميعها تمتلك رؤى ومصالح متناقضة بشأن سوريا: إسرائيل تركز على تحييد أي تهديد عسكري طويل الأمد، وتصر على إخراج إيران نهائيا من المعادلة، وتكريس ضم الجولان كأمر واقع، ومنع أي تموضع تركي قد يقود إلى مواجهة مستقبلية. تركيا تتعامل مع الشمال السوري كمسألة أمن قومي، فهدفها القضاء على التنظيمات الكردية المسلحة، وضمان نفوذ سياسي في دمشق، وإعادة جزء كبير من اللاجئين. القوى الكبرى، من واشنطن إلى موسكو وبكين وبروكسل، تتفق في العناوين العريضة: وحدة الأراضي السورية، الاستقرار النسبي، محاربة الإرهاب، منع عودة الأسلحة الكيميائية، وتجنب كارثة إنسانية. لكن هذه التوافقات تنهار أمام الاستقطاب العالمي، حيث يُنظر إلى أي تقدم في سوريا كخسارة لطرف ومكسب لآخر. النتيجة أن البلاد تعيش حالة "التفاهمات المؤقتة" بدل "الإستراتيجيات طويلة الأمد"، ما يجعل أي إنجاز سياسي أو أمني عرضة للتراجع مع تغيّر موازين القوى. لماذا الداخل هو نقطة البداية؟ بينما تبدو معركة كسب الخارج معقدة، فإن بناء الجبهة الداخلية أكثر قابلية للتحقيق إذا توافرت الإرادة السياسية: الشراكة الوطنية: تأسيس سلطة تشاركية حقيقية تضمن التمثيل العادل لكل المكونات. الإصلاح الدستوري: إقرار حقوق المكونات السورية كافة في دستور واضح وملزم. الإدارة المتوازنة: اعتماد صيغة تجمع بين الحكم المحلي والسلطة المركزية، مع توزيع عادل للموارد. هذه الخطوات لا تضمن فقط الاستقرار الداخلي، بل تشكل أيضا ورقة قوة في أي مفاوضات مع الأطراف الخارجية، إذ تمنح سوريا مناعة سياسية ضد الضغوط والشروط المفروضة من الخارج. المصالحة الوطنية: من شعار إلى برنامج عمل المصالحة ليست خطابا سياسيا للاستهلاك الإعلامي، بل برنامج عمل يتطلب: آلية واضحة للحوار تشمل جميع الأطراف، بمن فيهم من كانوا على طرفي الصراع. تدابير بناء الثقة مثل الإفراج عن المعتقلين، والكشف عن مصير المفقودين. مشاريع اقتصادية مشتركة لإعادة دمج المجتمعات المحلية المتضررة. إن تحويل هذه الأفكار إلى إجراءات ملموسة هو ما سيمنع البلاد من الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة، ويمنح المرحلة الانتقالية فرصة حقيقية للنجاح. صحيح أن سوريا اليوم ساحة مفتوحة للمنافسات الإقليمية والدولية، لكن ميزان القوى الحالي لا يسمح لأي طرف بفرض حل نهائي منفرد. هذه الحقيقة تمنح السوريين مساحة للمناورة إذا ما أحسنوا استغلالها. الرهان على انتظار توافق القوى الكبرى وحده رهان خاسر، لأن هذه القوى ترى الملف السوري كجزء من صفقات أوسع، من الحرب في أوكرانيا إلى التنافس في بحر الصين الجنوبي. وإذا فشل السوريون في استثمار هذه المرحلة، فستبقى البلاد رهينة التفاهمات الخارجية الهشة، وستتآكل فرص إعادة الإعمار نتيجة انعدام الاستقرار، وسيتفاقم خطر التقسيم الفعلي على الأرض. أما إذا نجحنا في بناء عقد اجتماعي جديد، فإن ذلك سيشكل أساسا لتحول سوريا من "ملف تفاوضي" إلى "دولة ذات سيادة حقيقية". الانتقال من مرحلة "إدارة الأزمة" إلى "صناعة الحل" يتطلب إرادة سياسية جريئة، ورؤية إستراتيجية، واستعدادا لتقديم تنازلات وطنية متبادلة. سوريا اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تبقى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، أو أن تتحول إلى دولة تفرض شروطها وتملك قرارها. الخيار الثاني ليس مستحيلا، لكنه يحتاج إلى لحظة وعي وطني، وإجماع على أن المستقبل يصنعه السوريون، لا يُمنح لهم من الخارج.

12 مليون دولار لشمال إدلب.. ماذا عن المناطق المنكوبة؟
12 مليون دولار لشمال إدلب.. ماذا عن المناطق المنكوبة؟

الجزيرة

timeمنذ 2 ساعات

  • الجزيرة

12 مليون دولار لشمال إدلب.. ماذا عن المناطق المنكوبة؟

يثير تخصيص 12 مليون دولار لمشاريع البنية التحتية في شمال إدلب جدلا واسعا، لا سيما في أوساط المهجّرين والنازحين من جنوب المحافظة وشرقها. ويرى هؤلاء أن تركيز المشاريع على مناطق مستقرة نسبيا مثل إدلب وسرمدا والدانا شمال إدلب يُهَمِّش المناطق المنكوبة، إذ تعاني مدن مثل معرة النعمان، وخان شيخون، وجبل الزاوية في جنوب المحافظة من دمار واسع وغياب شبه تام للخدمات الأساسية، مما يجعل العودة إليها بالغة الصعوبة. ويعتبر نازحون أن هذا التوزيع غير المتوازن يكشف عن خلل واضح في التخطيط التنموي، ويزيد من اتساع الفجوة بين المناطق المستقرة والمناطق المتضررة بفعل الحرب. تركز المشاريع الجارية في شمال إدلب على تسوية الطرق وتأهيل البنية التحتية، في حين تُستثنى المناطق التي تعرضت لأعنف موجات القصف، والتي تبقى خارج خارطة الإعمار حتى اللحظة. وفي الوقت الذي تؤكد فيه تصريحات محافظ إدلب، محمد عبد الرحمن، أن عودة المهجرين تمثل أولوية قصوى، وتشير إلى جهود تُبذل لإعادة تفعيل المؤسسات وترميم البنى التحتية في المناطق المحررة حديثا، فإن غياب الدعم المالي الرسمي يحدّ من فاعلية هذه المساعي، إذ تعتمد المحافظة بشكل رئيس على المنظمات الإنسانية والتكافل المجتمعي. وبينما تتصاعد الانتقادات بشأن تركّز المشاريع في مدينة إدلب ، يصرّ المحافظ على أن المشاريع شاملة ولا تقتصر على مركز المحافظة. مناطق منكوبة خارج خارطة الإعمار تعاني مناطق جنوب إدلب وشرقها، مثل معرة النعمان، وخان شيخون، وجبل الزاوية، من دمار شامل نتيجة سنوات الحرب، إذ تنتشر الألغام فيها بشكل واسع، والمنازل مهددة بالانهيار، والخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي معدومة، مما يجعل هذه المناطق غير صالحة للسكن. كما أن الطرقات المدمرة وتراكم الأنقاض يزيدان من تعقيد العودة، ويبقيان آلاف المهجرين في المخيمات، وسط غياب أي أمل ملموس. هذا الواقع يعمق الشعور بالتهميش، ويستدعي تدخلات عاجلة لإعادة تأهيل تلك المناطق. أيهم العبد الله، المهجر من ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، عبّر عن قلقه من مخاطر العودة في ظل استمرار وجود الألغام ومخلفات القصف. وقال في حديثه للجزيرة نت إن هذه المناطق "غير صالحة للسكن البشري؛ فالمنازل مدمرة ومهددة بالسقوط، ولا توجد أي بنية تحتية من مشافٍ أو مدارس أو شبكات مياه وكهرباء". وأضاف أن الطرقات ما تزال مغلقة بسبب الأنقاض، محمّلا الحكومة السورية كامل المسؤولية عن سلامة من يقرر العودة، وداعيا المهجرين إلى الامتناع عن العودة في ظل هذا الإهمال. وطالب المتضررين برفع دعاوى قضائية ضد الدولة لتعويضهم عن خسائرهم، مؤكدا أن "العودة يجب أن تكون كريمة وتليق بتضحياتنا، لا مجرد عودة إلى الخراب". رد رسمي وجهود محلية محدودة التمويل ورغم هذه التحديات، تؤكد إدارة محافظة إدلب أنها تبذل جهودا حثيثة لإعادة تأهيل المناطق المنكوبة بالتعاون مع منظمات إنسانية. وتتوزع المشاريع على مجالات متعددة، تشمل ترميم المدارس، ومحطات المياه، وشبكات الصرف الصحي، والمراكز الطبية، بالإضافة إلى إزالة الأنقاض وتحسين البنية التحتية بشكل تدريجي. ويقول محافظ إدلب، محمد عبد الرحمن، للجزيرة نت، إن عودة المهجرين إلى بلداتهم باتت تمثل أولوية ملحة على جدول أعمال المحافظة، رغم غياب التمويل الحكومي الرسمي. وأوضح أنه بدأ فور تولّيه المنصب العمل على إعادة تفعيل المؤسسات والخدمات الأساسية، لا سيما في المناطق المحررة حديثا مثل معرة النعمان، وخان شيخون، وسراقب، وريف إدلب الجنوبي، حيث تم تفعيل العديد من المديريات التي توقفت عن العمل بسبب النزوح والدمار. وأضاف عبد الرحمن أن "المحافظة أنشأت عشرات المخافر والمراكز الأمنية لإعادة الاستقرار في تلك المناطق". وأشار إلى أنه تم تفعيل 190 مدرسة، ورُمّمت 100 منها حتى الآن، مع وجود خطط لترميم المزيد منها قبل بداية العام الدراسي الجديد، كما أُطلقت مشاريع لترميم 4 آلاف منزل في المناطق المحررة. وفي القطاع الصحي، أوضح أن 53 مركزا طبيا ومستشفى قد أُعيد تشغيلها خلال الأشهر الخمسة الماضية في مدن كمعرة النعمان، وخان شيخون، وأريحا، وسراقب، وجبل الزاوية، بالتوازي مع حملات رفع الأنقاض لإعادة تدويرها وتحسين الطرق لاحقا. وعن الانتقادات الموجهة بخصوص تركيز المشاريع في مدينة إدلب، أوضح عبد الرحمن أن "المشروع ممول من منظمة دولية ضمن خطة تشمل المدينة والمناطق المحررة. فطرقات إدلب متهالكة منذ أكثر من 40 عاما، وهي مركز المحافظة الذي يضم عددا كبيرا من النازحين". وشدد على أن المشاريع لا تقتصر على إدلب، بل تشمل أيضا سراقب، والمعرة، وخان شيخون، وغيرها من المناطق. كما بيّن أن "المحافظة لا تمتلك موازنات تشغيلية، وتعتمد بشكل شبه كلي على الدعم الإنساني والتكافل المجتمعي"، مؤكدا أن كل مشروع يُنفّذ بعد موافقة الجهات المانحة ووفقا لأولوياتها. وأكد أن العمل يسير بشفافية وبالتنسيق مع المجتمع المحلي، مشيدا بدور الصناديق الخدمية والمبادرات الشعبية. وفي مجال المياه والصرف الصحي، أشار إلى أن من أبرز المشاريع محطة "اللج" التي تغذي 5 محطات في جبل الزاوية، بتكلفة بلغت 3.5 ملايين دولار، بالإضافة إلى حفر آبار في معرة النعمان وخان شيخون. وبخصوص حادثة وفاة شاب نتيجة سقوطه في فتحة صرف صحي مكشوفة في بلدة حيش، أكد المحافظ أن الحادثة قيد المتابعة العاجلة، وبدأت على إثرها حملات مجتمعية لتأمين الأغطية بالتعاون مع منظمات إنسانية. نازحون: الوتيرة لا ترتقي لحجم الدمار ورغم هذه الجهود، يشعر كثير من المهجرين بأن وتيرة العمل لا ترتقي إلى حجم الدمار في مناطقهم، في ظل قلق متزايد من تحوّل النزوح إلى حالة دائمة. ويرى نازحون أن تركيز المشاريع على مناطق شمال إدلب قد يكون مبررا من الناحية التنفيذية، نظرا لسهولة العمل فيها باعتبارها مناطق آمنة نسبيا، إلا أن ذلك يُفاقم الشعور بالإقصاء لدى سكان المناطق الأكثر تضررا. فانتشار الألغام وغياب الخدمات الأساسية يحولان دون عودة المهجرين إلى ديارهم، مما يعمّق حالة النزوح القسري ويعيق تحقيق استقرار طويل الأمد. في معرة النعمان، تروي لينا محمود، وهي نازحة منذ 5 سنوات، شعورها بخيبة الأمل نتيجة بطء وتيرة التعافي. تقول: "كنا نأمل أن نعود يوما إلى بيوتنا، لكن اليوم لا شيء يشجع على العودة. منزلنا مدمر بالكامل، لا ماء ولا كهرباء، والشوارع مملوءة بالأنقاض". وتضيف: "نسمع عن مشاريع في شمال إدلب، لكن ماذا عنا؟ كأننا منسيون. الأطفال يعانون في المخيمات، والمدارس في قريتنا لا تزال مجرد أطلال". ورغم التصريحات والجهود المعلنة، تبقى المناطق المنكوبة في حاجة ماسة إلى تدخلات عاجلة لإزالة الألغام، وترميم المنازل، وإعادة تأهيل البنية التحتية. ويطالب المهجرون بتوزيع عادل للمشاريع يراعي مستوى الأضرار الفعلية، ويشترط شفافية في تخصيص التمويل. ومن دون حلول شاملة، سيبقى حلم العودة الكريمة بعيد المنال، وتظل آمال آلاف العائلات معلقة على وعود لم تتحقق بعد. وفي جبل الزاوية، حيث الكثافة السكانية والدمار يتجاوران، يسعى أحمد الخالد، أحد المهجرين، إلى لفت الأنظار إلى الغياب شبه التام للمشاريع التنموية. يقول: "كل يوم نسمع عن مشاريع في إدلب أو سرمدا، لكن في جبل الزاوية لا شيء يُذكر. بيتي دُمر، والمنطقة مملوءة بالألغام. حاولت العودة مرة، لكن لم أجد حتى طريقا سالكا للوصول إلى القرية. كيف يمكننا العيش هكذا؟ الحكومة تتحدث عن عودة المهجرين، لكن من دون بنية تحتية، هذا مجرد كلام فارغ". ومن خان شيخون، تسرد خديجة الصالح التحديات اليومية التي تواجهها كامرأة وأم، وتقول للجزيرة نت إن "أطفالي محرومون من التعليم لأن المدارس مدمرة، وإذا مرض أحدهم أضطر إلى السفر لساعات إلى إدلب. نسمع عن ملايين الدولارات التي تُصرف على مشاريع، لكن أين هي من مناطقنا؟ نريد عودة كريمة، لا أن نبقى في خيام المخيمات إلى الأبد".

مسلحون يهاجمون آلية للجيش السوري في ريف اللاذقية
مسلحون يهاجمون آلية للجيش السوري في ريف اللاذقية

الجزيرة

timeمنذ 7 ساعات

  • الجزيرة

مسلحون يهاجمون آلية للجيش السوري في ريف اللاذقية

هاجمت مجموعات من فلول النظام المخلوع آلية عسكرية تابعة للجيش السوري فجر اليوم الجمعة في ريف محافظة اللاذقية دون وقوع خسائر بشرية، حسبما أعلنت وزارة الدفاع السورية. في حين قالت مصادر محلية إن الهجوم استهدف آلية للجيش السوري قرب جسر البرجان على أوتوستراد اللاذقية طرطوس الساحلي غربي البلاد. وأوضحت إدارة الإعلام والاتصال بوزارة الدفاع أن هجمات فلول النظام تصاعدت خلال الساعات الـ72 الماضية مستهدفة قوات الجيش في ريفي اللاذقية وطرطوس، مشيرة إلى أن وزارة الدفاع "مستمرة في حماية جميع مكونات الشعب السوري والحفاظ على السلم الأهلي". وحذّرت من وصفتهم بفلول النظام البائد من محاولة زعزعة الأمن والاستقرار في الساحل السوري ، مؤكدة عدم التساهل مع أي استهداف يطول قوات الجيش أو المدنيين. وتبذل الإدارة السورية الجديدة جهودا لضبط الأمن وملاحقة فلول النظام السابق الذين يثيرون اضطرابات أمنية، خاصة في منطقة الساحل، التي كانت معقلا لكبار ضباط نظام الأسد. وخلص فريق المحققين التابع للأمم المتحدة في تقرير صدر أمس الخميس إلى أن جرائم حرب ارتكبت على الأرجح من جانب كل من المسلحين الموالين للرئيس المخلوع بشار الأسد وقوات الحكومة السورية الجديدة خلال أعمال عنف واسعة النطاق اندلعت في منطقة الساحل السوري، وبلغت ذروتها بسلسلة من عمليات القتل في مارس/آذار الماضي. وأفاد التقرير الصادر عن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة المعنية بسوريا بأن نحو 1400 شخص -معظمهم من المدنيين- قُتلوا خلال أعمال العنف تلك التي اندلعت بعدما هاجمت عناصر من فلول النظام المخلوع دوريات وعناصر من الأمن العام وقتلت عددا منهم قبل أن يتدخل مسلحون موالون للحكومة وقوات حكومية لضبط الأمن في المنطقة. وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أكملت فصائل سورية سيطرتها على البلاد، منهية 61 سنة من حكم حزب البعث، بينها 53 سنة من سيطرة أسرة الأسد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store