logo
4 أعوام على حكم طالبان.. صعوبات يواجهها الأفغان رغم محاولات إنعاش الاقتصاد

4 أعوام على حكم طالبان.. صعوبات يواجهها الأفغان رغم محاولات إنعاش الاقتصاد

الجزيرةمنذ يوم واحد
كابل – تحلّ اليوم الجمعة 15 أغسطس/آب الجاري الذكرى الرابعة لعودة حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان وسط جدل واسع بشأن مسار الاقتصاد في البلاد بين الرواية الحكومية التي تتحدث عن تحسن المؤشرات المالية، وتقارير دولية تشير إلى استمرار التحديات العميقة التي يواجهها الأفغانيون.
منذ سيطرة طالبان عام 2021 وانسحاب القوات الدولية، واجهت البلاد تحولات اقتصادية جذرية تمثلت في عزلة دولية خانقة، وانقطاع معظم المساعدات الخارجية التي كانت تشكل شريانًا رئيسيا لتمويل الخدمات والمشاريع التنموية.
ومع ذلك، تقول الحكومة الحالية إن النظام المصرفي بدأ يستعيد عافيته، مشيرة إلى ارتفاع حجم الودائع في البنوك واستقرار سعر صرف العملة الأفغانية خلال العام الأخير.
لكن على الأرض، تبدو الصورة أكثر تعقيدا، إذ تؤكد بيانات البنك الدولي و الأمم المتحدة أن مستويات الفقر لا تزال مرتفعة، وأن معدلات البطالة و التضخم تلقي بظلالها على الأسواق.
ويواجه كثير من التجار والمزارعين صعوبة في الحصول على السيولة النقدية، في حين تشهد الأسواق تقلبات في الأسعار أثرت بشكل مباشر على القوة الشرائية للأسر.
الأزمة النقدية
على الرغم من تصريحات الحكومة الأفغانية التي تتحدث عن "تحسن ملحوظ" في وضعية الودائع المصرفية واستعادة الاستقرار النقدي، فإن البيانات الصادرة عن جهات مستقلة تبرز صورة مختلفة تماما للأوضاع المالية في البلاد.
ففي فبراير/شباط 2024، أكّد الملا عبد الغني برادر نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية أن "بعض البنوك تواجه مشاكل في السيولة"، ودعا مالكيها إلى العودة إلى أفغانستان لدعم القطاع المالي المحلي.
من جهته، أظهر تقرير للبنك الدولي أن إجمالي الودائع في القطاع المصرفي الأفغاني تراجع بنسبة 9% في عام 2022، إلا أنه بدأ في التعافي بنسبة 5.2% عام 2023، مما يعكس تحسنا طفيفا بعد سنوات من الانخفاض الحاد.
إعلان
ويزيد من حدة الأزمة تجميد احتياطات البنك المركزي الأفغاني في الخارج، التي تبلغ نحو 9.5 مليارات دولار، منذ سيطرة طالبان على الحكم، مما يحد من قدرة الحكومة على ضخ السيولة النقدية في الأسواق ودعم الاستثمارات والمشاريع التنموية.
القيود على السحب
أدى تجميد احتياط البنك المركزي في الخارج إلى قيود فعلية على سحب الأموال من البنوك، وأدى إلى تحديد سقوف للسحب الأسبوعية كالتالي:
حسابات الدولار الأميركي: سحب حتى 5 آلاف دولار أسبوعيا بزيادة عن الحد السابق البالغ ألفي دولار.
حسابات الأفغاني (اسم العملة المحلية): السحب الأسبوعي حتى 350 ألف أفغاني بعد أن كان 150 ألفا.
الحسابات ذات الأرصدة الكبيرة: لا توجد حدود للسحب للأفراد الذين يمتلكون أرصدة تبلغ مليوني أفغاني أو 30 ألف دولار أميركي، وللشركات التي تمتلك أرصدة تصل إلى 3.5 ملايين أفغاني أو 50 ألف دولار أميركي.
وتُظهر هذه القيود أن الحكومة تحاول السيطرة على السيولة النقدية في الأسواق، لكنها في الوقت نفسه تحد من قدرة المواطنين على الوصول الكامل لأموالهم، مما يؤثر على سلوكهم المالي والاقتصادي، ويزيد من اعتمادهم على التحويلات والدخل غير الرسمي.
وفي تعليق للجزيرة نت، يقول الخبير الاقتصادي الأفغاني بشير دوديال إن "الاحتياطات المجمدة والقيود المصرفية تشكل عائقا رئيسيا أمام النمو الاقتصادي ، فهي تحد من قدرة الحكومة على تمويل المشاريع الأساسية وتحقيق استقرار الأسعار، وبالتالي فإن أي حديث عن استعادة الاستقرار النقدي يظل نسبيا في ظل هذه القيود".
ارتفاع الأسعار
من ناحية أخرى، تواجه الأسر الأفغانية صعوبة متزايدة في تلبية احتياجاتها الأساسية، حيث ارتفاع الأسعار لا يقتصر على الغذاء فقط، بل يشمل الوقود والكهرباء والمواد الطبية، مما يزيد من الضغوط على الأسر ذات الدخل المحدود. وفي الأسواق المحلية، يؤكد المواطنون أن قدرتهم على شراء كميات كافية من الحبوب والزيوت واللحوم تقلصت بشكل كبير.
حامد، وهو تاجر في سوق كابل المركزي، يقول للجزيرة نت إن "أسعار كل شيء ارتفعت بشكل ملحوظ، ونحن مضطرون لرفع أسعار البضائع لتغطية التكاليف، لكن الزبائن لا يملكون المال الكافي للشراء".
ويشير خبراء اقتصاديون محليون إلى أن ارتفاع التضخم مرتبط بعدة عوامل، أبرزها توقف الدعم الدولي، وتراجع التحويلات المالية، ونقص السيولة في البنوك.
ورغم محاولات حكومة طالبان لضبط الأسعار وتنظيم الأسواق، فإن محدودية الموارد المالية وعدم وجود استثمارات كافية تجعل هذه المحاولات غير فعّالة على نطاق واسع.
ووفق دراسة حديثة من "مركز الدراسات الاقتصادية الأفغاني"، يواجه نحو 60% من السكان صعوبة في تأمين الغذاء اليومي، في حين انخفض متوسط الاستهلاك الفردي بنسبة 30% منذ 2021، مما يعكس الضغوط الاقتصادية المباشرة على حياة المواطنين.
الشباب والبطالة
يعاني الشباب الأفغاني من أزمة حقيقية في سوق العمل، إذ تشير بيانات رسمية صادرة عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الأفغانية و البنك الدولي إلى أن نسبة البطالة بين الشباب تبلغ نحو 16.7%، في حين يعمل جزء كبير منهم في وظائف غير رسمية أو موسمية.
في العاصمة الأفغانية كابل، يقول عبد الودود ناصري، خريج جامعة كاردان الأهلية، "تخرجت منذ عامين، لكن لا توجد فرص عمل مناسبة، لذلك أعمل مؤقتًا في متجر صغير لبيع البقالة لتغطية احتياجاتي اليومية".
ودفع ارتفاع تكاليف المعيشة وزيادة التضخم الشباب للاعتماد على أعمال صغيرة أو على التحويلات المالية من المغتربين لدعم أسرهم، في وقت تتعرض فيه المشاريع الصغيرة لضغوط مستمرة بسبب ندرة السيولة وارتفاع أسعار المواد الخام.
إرسال العمالة
في محاولة لتخفيف حدة البطالة بين الشباب، بدأت الحكومة الأفغانية في دعم برامج إرسال العمالة الأفغانية إلى الخارج بما في ذلك إلى دولة قطر.
ووفقا لبيانات رسمية، تم تسجيل نحو 1800 عامل أفغاني للعمل في قطر ضمن اتفاقية بين الحكومة الأفغانية و الدوحة بهدف توفير فرص عمل بديلة وتحويل العملات الأجنبية لدعم الاقتصاد المحلي.
تستهدف هذه المبادرة العاطلين عن العمل، خاصة أولئك العائدين من إيران و باكستان ، وتشمل 22 فئة وظيفية، من بينها الهندسة الكهربائية، وصيانة السيارات الكهربائية، والطهي، وخدمات الفنادق، وقيادة الحافلات، ورعي المواشي. وتم تسجيل المشاركين في أربع مدن رئيسية هي كابل وقندهار وهرات وننغرهار.
ويقول مسؤول في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية للجزيرة نت، فضّل حجب اسمه، إن "هذه البرامج تهدف إلى منح الشباب فرص عمل بديلة، وتحويل العملات الأجنبية إلى الداخل لدعم الاقتصاد المحلي"، مؤكدًا أن الحكومة تعمل على توسيع برامج التدريب المهني والتأهيل للعمال قبل إرسالهم لضمان تناسب مهاراتهم مع متطلبات السوق الخارجي.
مشاريع تنموية
تؤكد الحكومة الأفغانية بقيادة طالبان أنها أحرزت تقدما ملموسا في استقرار الاقتصاد خلال السنوات الأربع الماضية، رغم العقوبات والعزلة الدولية.
ويقول وزير الطاقة والمياه الأفغانية عبد اللطيف منصور، في تصريحات حديثة، إن الحكومة تمكنت من تمويل مشروعات بنية تحتية كبرى من الميزانية الوطنية دون الاعتماد على المساعدات الخارجية، من بينها سد "باشدان" في ولاية هرات الذي افتتح قبل أيام بكلفة 117 مليون دولار لتأمين المياه لأكثر من 13 ألف هكتار من الأراضي الزراعية وتوليد نحو ميغاواتين من الكهرباء.
إلى جانب ذلك، يُعد مشروع "قناة قوش تيبه" من أبرز المبادرات الإستراتيجية في شمالي أفغانستان، ويهدف إلى تحويل نحو 550 ألف هكتار من الأراضي الصحراوية إلى أراضٍ زراعية خصبة، مما يعزز الأمن الغذائي ويزيد الإنتاج المحلي من القمح والخضروات.
كما أطلقت الحكومة مشاريع لإعادة تأهيل الطرق بين الولايات، وتوسيع شبكات الري، وتشجيع الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح والخضروات.
وتقول وزارة المالية الأفغانية إن حجم الودائع في البنوك المحلية شهد زيادة خلال العام الماضي بنسبة تقارب 15%، مما تعدّه مؤشرا على "استعادة الثقة في النظام المصرفي".
وفي سياق متصل، قال الدكتور عبد اللطيف نظري نائب وزير الاقتصاد الأفغاني للجزيرة نت إن الاقتصاد الأفغاني "في حالة طبيعية وعادية"، مشيرا إلى أن عمليات التصدير والاستيراد تسير بشكل منتظم، وأن القطاع المصرفي يتمتع باستقرار جيد، والإيرادات الوطنية تحت السيطرة، والنفقات الحكومية تُدفع بشكل طبيعي.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي الأفغاني بشير دوديال أن "الاقتصاد الأفغاني يواجه تحديات هيكلية عميقة لا يمكن حلها بالإجراءات المؤقتة أو الاعتماد على الموارد الداخلية فقط".
وأضاف دوديال للجزيرة نت أن ارتفاع التضخم، ونقص الاستثمارات الأجنبية، وقيود التعاملات المالية مع الخارج، كلها عوامل تجعل تحقيق نمو مستدام أمرا صعبا على المدى القصير، مؤكدا أن التركيز على تعزيز القطاعات الإنتاجية وفتح قنوات تجارية مع الخارج سيكون المفتاح لتقليل البطالة وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
تحديات النمو
رغم النمو الاقتصادي البطيء، لا يزال الاقتصاد الأفغاني يواجه تحديات كبيرة، خاصة في ظل استمرار البطالة، مما يهدد الاستقرار الاجتماعي.
ووفقا للبنك الدولي، سجل الناتج المحلي الإجمالي لأفغانستان نموا بنسبة 2.5% في عام 2024، مدفوعا بشكل رئيسي بقطاع الزراعة، في حين تظل القطاعات الأخرى مثل التصنيع والخدمات في حالة ركود بسبب بيئة الأعمال غير المواتية وقيود التصدير وتراجع المساعدات الخارجية.
ورغم التحديات الاقتصادية، فإن أفغانستان شهدت تحسنا طفيفا في معدلات التضخم خلال عام 2025، حيث بلغ معدل التضخم السنوي نحو 0.3% في مارس/آذار الماضي بعد أن كان في انكماش خلال معظم عام 2024.
ويعكس هذا التحسن بداية تعافي النشاط الاقتصادي، إلا أن البلاد لا تزال تواجه تحديات كبيرة في تحقيق استقرار اقتصادي مستدام.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لاريجاني: اختراق إسرائيل لإيران موضوع جدي وتجب مواجهته
لاريجاني: اختراق إسرائيل لإيران موضوع جدي وتجب مواجهته

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

لاريجاني: اختراق إسرائيل لإيران موضوع جدي وتجب مواجهته

أقر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني بأن مسألة اختراق إسرائيل للداخل الإيراني جدية للغاية وتجب مواجهتها، لكنه شدد على أن الحرب الأخيرة مع إسرائيل حققت انسجاما وطنيا في إيران. وأضاف لاريجاني -في تصريحات صحفية- "كانت لدينا نقاط ضعف ومسألة اختراق العدو للداخل الإيراني جدية للغاية وتجب مواجهتها". وأردف قائلا: "كانت هناك مواطن ضعف مؤلمة، لكن كانت هناك أيضا عناصر قوة أوصلت العدو إلى الحد الذي دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب للقول: إن الأيام الأخيرة في الحرب كانت جحيما علينا وعلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو". وتابع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، "لكن هذا يجب ألا يدفعنا للغرور، لأن العدو سيدرس نقاط قوتنا ويبتكر أساليب جديدة، ونحن أيضا ينبغي ألا نقتصر على طريقة واحدة لتنفيذ عملياتنا العسكرية". وشدد على أن نهج الأميركيين والإسرائيليين قائم على السلام عبر القوة، بمعنى الاستسلام أو الحرب، وهذا يزعزع أمن المنطقة. ووفقا لصحيفة تايمز، فقد اعتقلت إيران عشرات الآلاف بعد أن أمرت السلطات قوات الأمن بمطاردة الجواسيس الذين ساعدوا إسرائيل على اغتيال كبار القادة العسكريين والعلماء في البلاد. ويوم 13 يونيو/حزيران الماضي، شنت إسرائيل بدعم أميركي عدوانا على إيران استمر 12 يوما، شمل مواقع عسكرية ونووية ومنشآت مدنية واغتيال قادة عسكريين وعلماء نوويين، في حين ردت إيران باستهداف مقرات عسكرية واستخبارية إسرائيلية بصواريخ بالستية وطائرات مسيّرة. وفي 22 يونيو/حزيران، هاجمت الولايات المتحدة منشآت في إيران، وادعت أنها "أنهت" برنامجها النووي، فردت طهران بقصف قاعدة "العديد" الأميركية بقطر، ثم أعلنت واشنطن في 24 يونيو/حزيران وقفا لإطلاق النار بين طهران وتل أبيب. وتتهم إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة إيران بالسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، في حين تقول طهران إن برنامجها مصمم للأغراض السلمية، بما في ذلك توليد الكهرباء. البرنامج النووي الإيراني.

ثلاثية عبقرية: كيف واجهت الصين معضلة الشراهة النفطية؟
ثلاثية عبقرية: كيف واجهت الصين معضلة الشراهة النفطية؟

الجزيرة

timeمنذ 6 ساعات

  • الجزيرة

ثلاثية عبقرية: كيف واجهت الصين معضلة الشراهة النفطية؟

لعقود طويلة، كان يُنظر إلى شهية الصين التي لا تشبع للنفط الخام على أنها مكمن ضعفها الأبرز، أو "كعب أخيل" الخاص بها. فبصفتها أكبر مستورد للنفط في العالم، كان اقتصادها عرضة بشدة للاضطرابات في سلاسل الإمداد العالمية، وهي نقطة ضعف منحت واشنطن ورقة ضغط إستراتيجية هامة. وظلت "معضلة ملقا" -أي احتمالية فرض حصار بحري على المضيق الضيق الذي تمر عبره غالبية واردات الصين النفطية- بمثابة شبح يخيم على تخطيط بكين الإستراتيجي. أما اليوم، فقد أدت إستراتيجية طويلة الأمد، متعددة المحاور، وناجحة بشكل ملحوظ، إلى تغيير هذه الديناميكية جذريا.. لم تقضِ الصين على حاجتها للنفط بالكامل، لكنها نجحت بشكل منهجي في تنويع مصادرها، والحد من نمو استهلاكها، والهيمنة على تقنيات الطاقة المستقبلية، مما أدى إلى إضعاف أداة ضغط أميركية رئيسية. وترتكز هذه النقلة الإستراتيجية على ثلاث ركائز أساسية: تنويع مسارات ومصادر الاستيراد، وحملة ضخمة تقودها الدولة للاستثمار في الطاقة المتجددة، وترسيخ هيمنة عالمية في سوق السيارات الكهربائية. الركيزة الأولى: إزالة المخاطر عن سلاسل الإمداد عبر التنويع كانت الاستجابة الأولى والمباشرة لمعضلة ملقا هي التنويع الجريء لموردي الطاقة ومسارات عبورها… عملت بكين إستراتيجيا على نسج علاقات طاقة، تقلل من اعتمادها على النفط الخام المنقول بحرا من الشرق الأوسط. وبرزت روسيا كشريك محوري في هذه الإستراتيجية. فقبل وقت طويل من اندلاع الحرب في أوكرانيا 2022، بدأت الصين الاستثمار في خطوط الأنابيب البرية، مثل خط أنابيب "شرق سيبيريا- المحيط الهادئ" (ESPO). وعقب العقوبات الغربية على موسكو، أمّنت الصين النفط الروسي بأسعار مخفضة، لتصبح روسيا الآن أكبر مورد منفرد لها. هذه المسارات البرية محصنة ضد أي حصار بحري، مما يخفف بشكل مباشر من التهديد لأمن طاقتها. في الوقت نفسه، وسعت الصين شبكة خطوط أنابيبها من آسيا الوسطى، وبشكل أساسي للغاز الطبيعي ولكن مع بنية تحتية نفطية أيضا، من خلال "مبادرة الحزام والطريق". ويعد خط أنابيب "الصين- ميانمار" مشروعا حيويا آخر، حيث يوفر مسارا مباشرا للنفط من المحيط الهندي إلى مقاطعة يونان الصينية، متجاوزا مضيق ملقا بالكامل. علاوة على ذلك، زادت بكين وارداتها من دول أميركا الجنوبية مثل البرازيل، ومنتجين أفارقة مثل أنغولا، موزعة بذلك محفظة وارداتها على مناطق جيوسياسية وممرات شحن مختلفة. هذه الشبكة من المصادر والمسارات البديلة تعني أن تعطيل إمدادات الطاقة للصين لم يعد بنفس بساطة السيطرة على ممر بحري واحد. الركيزة الثانية: القوة العظمى في مجال الطاقة المتجددة ربما يكون العنصر الأكثر تحولا في إستراتيجية الصين هو استثماراتها الهائلة في الطاقة المتجددة؛ ورغم أن هذا التوجه كان مدفوعا في البداية بمشكلات التلوث الحادة محليا، فإن فوائده الجيوسياسية، والمتعلقة بأمن الطاقة، أصبحت ذات أهمية قصوى. فالصين لا تكتفي بتركيب مصادر الطاقة المتجددة فحسب، بل تصنّعها للعالم بأسره. إن حجم هذا التحول مذهل.. في 2023 وحده، ركبت الصين قدرة طاقة شمسية أكبر من إجمالي القدرة القائمة في الولايات المتحدة بأكملها، وهي تستحوذ الآن على أكثر من ثلث إجمالي قدرة طاقة الرياح والطاقة الشمسية المركبة في العالم. وقد أدت براعتها التصنيعية إلى خفض التكلفة العالمية للألواح الشمسية وتوربينات الرياح، مما جعل الطاقة المتجددة قادرة على المنافسة اقتصاديا مع الوقود الأحفوري. ومن خلال توليد حصة متزايدة بسرعة من الكهرباء من موارد محلية لا تنضب، مثل الشمس والرياح، مدعومة بالطاقة الكهرومائية الكبيرة وبرنامج طاقة نووية متوسع، تعمل الصين على تقليص طلبها طويل الأجل هيكليا على النفط والغاز المستوردين لتوليد الكهرباء. فكل كيلوواط/ساعة يتم توليده من مصدر محلي هو كيلوواط/ساعة أقل عرضة للتدخل الأجنبي. الركيزة الثالثة: الهيمنة على مستقبل قطاع النقل تستهدف الركيزة الثالثة قطاع النقل، الذي يعد أكبر مستهلك للنفط.. لقد وضعت الصين نفسها إستراتيجيا كقائد عالمي بلا منازع في مجال السيارات الكهربائية. لم يكن هذا نتيجة صدفة في السوق، بل سياسة صناعية مدروسة تم تنفيذها على مدى أكثر من عقد من الزمان، وشملت دعما حكوميا كبيرا، ومِنحا بحثية، وتوسيعا للبنية التحتية. اليوم، تستحوذ الصين على ما يقرب من 60% من مبيعات السيارات الكهربائية العالمية. ولا تقتصر هيمنة الشركات الصينية، مثل "بي واي دي" (BYD) و"سي إيه تي إل" (CATL)، على تجميع المركبات فحسب، بل تمتد لتشمل سلسلة التوريد بأكملها، لا سيما في تصنيع البطاريات، المكون الأكثر أهمية في السيارات الكهربائية. ولهذه الهيمنة تداعيات عميقة على الطلب على النفط؛ فمع وجود أكثر من 20 مليون سيارة كهربائية على طرقاتها الآن، تزيح الصين بشكل دائم حجما كبيرا ومتزايدا من استهلاك البنزين. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية (IEA) أن يصل الطلب الصيني على النفط إلى ذروته قبل 2030، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التوجه السريع نحو استخدام المركبات الكهربائية. هذا التحول لا يقتصر على تقليل واردات النفط فحسب، بل يعكس نفوذ القوة الجيوسياسية؛ فبينما كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يمتلكون في السابق القوة للتأثير على إمدادات النفط للصين، تكتسب الصين الآن نفوذا على سلاسل التوريد الخاصة بالتحول الأخضر، من البطاريات إلى الألواح الشمسية. التداعيات الجيوسياسية: نقطة ضغط مثلومة الحدة إن التأثير التراكمي لهذه الركائز الثلاث هو إعادة تشكيل جوهرية للمشهد الجيوسياسي للطاقة؛ لقد تضاءلت قدرة الولايات المتحدة على الضغط على الصين من خلال تهديد خطوط مواصلاتها البحرية بشكل كبير. ورغم أن أي حصار سيظل مؤذيا، فإنه لم يعد يشكل ذلك التهديد الاقتصادي الوجودي الذي كان عليه قبل 15 عاما، بفضل خطوط الأنابيب البرية، وتراجع الاعتماد على النفط في توليد الطاقة والنقل. علاوة على ذلك، فإن أي عقوبات أميركية محتملة تستهدف قطاع الطاقة في الصين ستكون أقل فاعلية بكثير؛ فمع وجود روسيا كمورد ملتزم، ومحفظة متنوعة من الشركاء الآخرين، سيكون العثور على مصادر بديلة أقل صعوبة. والأهم من ذلك أن إنتاج الصين الداخلي للطاقة من المصادر المتجددة يوفر حاجزا قويا ضد الصدمات الخارجية. لا تزال التحديات قائمة، فالصين في المدى المنظور لا تزال أكبر مستورد للنفط في العالم، وستحتاج قطاعاتها الصناعية والبتروكيماوية إلى كميات هائلة من النفط الخام لسنوات قادمة. كما أن التباطؤ الاقتصادي في البلاد قد يختبر التزامها بالنفقات الرأسمالية الضخمة، اللازمة للتحول في مجال الطاقة. ومع ذلك، فإن المسار واضح: لقد نجحت الصين في تحديد نقطة ضعف إستراتيجية جوهرية، ونفذت إستراتيجية صبورة وشاملة وفعالة للتخفيف من وطأتها. فمن خلال تنويع بنية وارداتها، وقيادة ثورة الطاقة المتجددة العالمية، والسيطرة على سوق النقل الكهربائي، لم تكبح بكين "إدمانها للنفط" فحسب، بل أضعفت أيضا إحدى أقوى أدوات النفوذ الجيوسياسي الأميركية. لم يعد التنافس العالمي على النفوذ يدور حول السيطرة على تدفقات النفط فقط، بل أصبح يتعلق بشكل متزايد بالسيطرة على التقنيات التي ستمد العالم بالطاقة في المستقبل. وفي هذه الساحة، رسخت الصين مكانتها بقوة في قلب هذا النموذج الجديد.

ترنح العقارات وتراجع الإنفاق يدق ناقوس الخطر بالصين
ترنح العقارات وتراجع الإنفاق يدق ناقوس الخطر بالصين

الجزيرة

timeمنذ 10 ساعات

  • الجزيرة

ترنح العقارات وتراجع الإنفاق يدق ناقوس الخطر بالصين

كشفت بيانات حديثة عن تفاقم أزمة قطاع العقارات في الصين وتراجع الثقة الاستهلاكية، لتشكل معًا عبئا مضاعفا على خطط الرئيس شي جين بينغ لإعادة التوازن للنمو الداخلي. ووفقًا لتقرير نشرته وكالة بلومبيرغ، فإن السياسات الحكومية التي وُصفت على مدى الأعوام الماضية بأنها "شبه يائسة"، لم تحقق أي نتائج ملموسة، بل أظهرت الأرقام أن الانكماش في الاستثمار العقاري بلغ مستويات غير مسبوقة منذ صدمة جائحة كورونا في 2020، في حين تراجعت مؤشرات الثقة والاستهلاك إلى أدنى مستوياتها منذ عقود. وتأتي هذه التطورات في وقت حساس للغاية، حيث تتزايد الضغوط على بكين لتقليل اعتمادها على التصدير، خصوصًا بعد التصعيد في الحرب التجارية مع واشنطن. إلا أن بلومبيرغ تشير بوضوح إلى أن "كل الوعود السياسية والعروض الدعائية لم تنجح في تغيير المزاج العام". عقارات تنهار رغم تدخل الدولة أظهرت المؤشرات أن أسعار المنازل الجديدة والقائمة واصلت الهبوط المتتالي منذ أغسطس/آب 2021، مع تسارع الانخفاض في يوليو/تموز الماضي خصوصًا في الوحدات الجديدة. وكشفت بيانات بلومبيرغ أن الاستثمار في القطاع العقاري خلال العام حتى الآن انكمش بأكبر وتيرة منذ صدمة جائحة كورونا. وسُجِّلت "محطة قاتمة" أخرى مع استعداد مجموعة إيفرغراند، التي كانت يومًا أكبر مطور في البلاد، للشطب من بورصة هونغ كونغ. ورغم الإجراءات الحكومية المتعددة، بدءًا من تسهيلات الإقراض وخفض أسعار الفائدة وحتى محاولة استنساخ نموذج الإسكان الاجتماعي في سنغافورة، لم يُظهر السوق أي مؤشرات على التعافي. وأكد التقرير أن تعهد الرئيس شي جين بينغ في سبتمبر/أيلول الماضي بوقف الانهيار و"استقرار السوق" بقي بلا نتائج ملموسة. ثقة المستهلكين تتراجع إلى مستويات متدنية انعكس تدهور العقارات مباشرة على ثقة الأسر الصينية، التي تضررت أولًا بقيود الجائحة ولم تستعد عافيتها منذ ذلك الحين. وأكدت بلومبيرغ أن "جميع الوعود الحكومية بالدعم ومحاولات التودد للقطاع الخاص لم تنجح في رفع معنويات الأسر". إعلان بل إن المزيد من المقترضين قرروا في يوليو/تموز الماضي تسديد ديونهم بدلًا من الحصول على قروض جديدة، مما تسبب في أول انكماش لقروض البنوك الصينية منذ عقدين. وكشفت البيانات الأخيرة أن مبيعات التجزئة ارتفعت بنسبة 3.7% فقط على أساس سنوي، فيما نما الإنتاج الصناعي بـ5.7%. أما على أساس شهري، فسجل الإنفاق الاستهلاكي تراجعًا للشهر الثاني على التوالي، وهو ما لم يحدث منذ فترة الإغلاقات في 2022. وكتب خبراء بلومبيرغ إيكونوميكس أن "ضعف الزخم الذاتي" للاستهلاك أصبح واضحًا بعد نفاد التمويل المخصص لبرنامج تحفيزي حكومي قائم على استبدال الأجهزة المنزلية والسيارات القديمة. أزمة ائتمان تزداد قتامة أظهرت الأرقام الخاصة بالإقراض صورة أكثر سوداوية، إذ ارتفع المؤشر الواسع للائتمان في يوليو/تموز الماضي، لكن ذلك كان مدفوعًا إلى حد كبير بإصدار السندات الحكومية لتسوية ديون السلطات المحلية المتعثرة. وحسب تقديرات جيه بي مورغان، فإن 55% من القروض الجديدة تُستخدم فقط لسداد فوائد الديون القائمة. وأوضح المحللان جهانغير عزيز وتينغ تينغ جيه أن نمو القروض بعد خصم الفوائد بلغ 3.5% فقط على أساس سنوي، مقارنة بمتوسط 8% بين 2016 و2023، واعتبرا أن "هذا ينذر بمستقبل قاتم للشركات ولنمو الناتج المحلي الإجمالي". صادرات ترتفع رغم الحرب التجارية وسجّلت الصين مفاجأة في الصادرات رغم الضعف المحلي، إذ ارتفعت في يوليو/تموز الماضي بنسبة 7.2% إلى 322 مليار دولار، متجاوزة التوقعات. وأوضحت بلومبيرغ أن الزيادة جاءت من شحنات قوية إلى الاتحاد الأوروبي وجنوب شرق آسيا وأستراليا، عوضت التراجع المستمر منذ أربعة أشهر في الصادرات إلى أميركا، التي تشدد القيود التجارية في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب. حدود التحفيز والسياسة الاقتصادية ويبقى التساؤل الأكبر مطروحًا: لماذا لا تقدم بكين حزما تحفيزية كبرى لإنقاذ العقارات أو لتوسيع شبكة الأمان الاجتماعي؟ ووفق بلومبيرغ، هناك سببان رئيسيان: ركّزت القيادة على القطاعات التكنولوجية المتقدمة، التي يواصل الحزب الحاكم دعمها باعتبارها أولوية إستراتيجية. افتقرت الصين إلى القدرة على إطلاق حزم إنقاذ واسعة بسبب "الانكماش المستمر"، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في الربع الثاني بنسبة 3.9% فقط، وهو أدنى مستوى منذ بدء السجلات عام 1993 باستثناء فترة الجائحة، وأقل من نمو اليابان البالغ 4.2%. وخلص تقرير بلومبيرغ إلى أن البيانات الأخيرة تمثل "جرس إنذار لبكين"، لكن فرص إحداث تحول حقيقي لتعزيز الطلب المحلي تظل ضئيلة. ورغم مفارقة الأداء الإيجابي في التصدير، فإن الداخل الصيني يغرق في أزمة ثقة واستهلاك ضعيف، وعقارات منهارة، ونمو اسمي يلامس مستويات خطيرة من الركود التضخمي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store